منظمة أطباء بلا حدود: توصيات لاجتماع الأمم المتحدة الرفيع المستوى بشأن مقاومة مضادات الميكروبات
توفر منظمة أطباء بلا حدود الرعاية الطبية المجانية للمتضررين من النزاعات والأوبئة والكوارث الطبيعية والمحرومين من الرعاية الصحية في أكثر من 70 دولة. وفي هذه المواقع، شهدت أطباء بلا حدود التأثير المتزايد لمقاومة مضادات الميكروبات على المرضى ومقدمي الخدمات والمجتمعات ككل. ونظرًا لأثرها على تقويض الرعاية الصحية وإلحاق أضرار بشرية واقتصادية واسعة، لا بد من أن تُعطى الأولوية لمعالجة مقاومة مضادات الميكروبات وتجنب نتائجها الأكثر كارثية في مختلف أنحاء العالم. ومع ذلك، فإنّ مقاومة مضادات الميكروبات تمثل أزمة بالفعل وتتسبب في خسائر فادحة في السياقات منخفضة الموارد كالمواقع التي تعمل فيها أطباء بلا حدود.
لقد قدمنا الرعاية لآلاف المرضى المصابين بعدوى ناجمة عن البكتيريا المقاومة للأدوية، لا سيما بين الفئات المعرضة للخطر مثل الأطفال حديثي الولادة والأطفال المصابين بسوء التغذية والأطفال دون سن الخامسة ومرضى الإصابات البليغة أو الذين خضعوا لجراحة والمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية والسل. وقد رأينا على سبيل المثال جرحى الحرب في الشرق الأوسط يعانون من معدلات عالية من التهاب العظم والنقي المزمن الناجم عن الكائنات الحية المقاومة للأدوية، وأطفال في النيجر يعانون من سوء التغذية الحاد ومن الإنتان الجرثومي المقاوم للكاربابينيمات، ووحدة حديثي الولادة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث كانت 75% من جميع البكتيريا التي عُثر عليها عبر الاختبارات التشخيصية مقاوِمة لمضادات من الخط الأول.
وفي ظل الافتقار إلى قدرات التشخيص الدقيق للعدوى المقاومة للأدوية، يمسي الكشف عن مقاومة مضادات الميكروبات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أصعب بكثير. هذا يعني أنّ معدلات مقاومة الأدوية التي تراها فرق أطباء بلا حدود في مشاريعنا على أرض الواقع لا تشكّل على الأرجح إلا غيضًا من فيض الحالات المقاوِمة غير المكتشفة بعد، الأمر الذي يدعو إلى قلق بالغ.
إنّ الوصول العادل إلى الرعاية الصحية الجيّدة لا يقع فقط في صلب مهمة أطباء بلا حدود فحسب، بل يشكّل أيضًا جزء لا يتجزأ من التصدي لمقاومة مضادات الميكروبات. فحماية صحة السكان في أيّ بلد تعني تجهيزهم لمنع التهديدات والاستجابة لها أينما نشأت. لذلك، فإنّ احتياجات البلدان الأكثر تأثرًا بمقاومة مضادات الميكروبات والأقل استعدادًا للتصدي لها ينبغي أن تكون على رأس جدول الأعمال.
ورغم الإجماع العالمي الذي نشأ في السنوات الأخيرة حول التهديد الذي تفرضه مقاومة مضادات الميكروبات، فإنّ الأولويات الصحية العاجلة والمتنافسة ونقص الموارد في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل كانت بمثابة عائق كبير أمام التقدّم في تنفيذ تدابير مكافحة العدوى المقاوِمة. ويمثّل اجتماع الأمم المتحدة الرفيع المستوى لعام 2024 فرصة فريدة للمجتمع الدولي لتعزيز الاستجابة لمقاومة مضادات الميكروبات في جميع البلدان من خلال إعلان سياسي يتضمن التزامات واضحة وملموسة وقابلة للتنفيذ مع مؤشرات ومعايير هادفة.
تحتاج العديد من مكونات الاستجابة لمقاومة مضادات الميكروبات إلى تعزيز عاجل في المواقع منخفضة الموارد. ففي مثل هذه السياقات، تؤدي عوامل متعددة إلى مقاومة الأدوية وتزيد من تأثيرها بشكل غير متناسب، بما في ذلك محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية الجيّدة والمياه النظيفة والصرف الصحي والنظافة الصحية، والاستخدام غير المقيّد للمضادات الحيوية في الزراعة وتربية الماشية والتلوث البيئي وتأثيرات تغيّر المناخ. وفي حين يحظى التعامل مع كل هذه القضايا بأهمية كبيرة، إلا أن توصياتنا تركز على الوصول إلى رعاية صحية إنسانية عالية الجودة بالاستناد إلى تجربة أطباء بلا حدود المباشرة في معالجة مقاومة مضادات الميكروبات في مشاريعنا الطبية والدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه الرعاية الصحية البشرية في تعزيز مقاومة مضادات الميكروبات أو مكافحتها.
ولمساعدة الأشخاص الذين يتكبّدون الأضرار المباشرة والشديدة لمقاومة مضادات الميكروبات ولتجنب أسوأ النتائج في العالم أجمع، يجب أن يصبح الوصول العالمي العادل إلى الرعاية الصحية الجيّدة – وخاصة الوقاية من العدوى ومكافحتها، والإشراف على مضادات الميكروبات، والأدوية والتشخيصات واللقاحات اللازمة – أولوية ملحة لجميع الدول. ويعدّ البحث والتطوير لمضادات الميكروبات الجديدة أمرًا ضروريًا أيضًا، ولكن يجب تحقيق التوازن في كيفية تقسيم الموارد بين هذه الأولويات وغيرها من الأولويات المتعلقة بالرعاية الصحية. ويجب أن تكون الابتكارات التي تنتج عن البحث والتطوير متاحة بشكل عادل لكل من يحتاج إليها على مستوى العالم وفي الوقت المناسب.
ومن أجل التصدي بفعالية لمقاومة مضادات الميكروبات، ينبغي للدول أن تعطي الأولوية للعناصر التالية:
- تحسين قدرة النظم الصحية على الوقاية من مقاومة مضادات الميكروبات واكتشافها والاستجابة لها في جميع أنحاء العالم من خلال:
- تعزيز البنية التحتية والقدرة على الوقاية من العدوى ومكافحتها وأنشطة الإشراف على مضادات الميكروبات، لا سيما من خلال تدريب القوى العاملة وبناء القدرات؛
- تعزيز القدرات المختبرية، بما في ذلك تطوير البنية التحتية وتدريب طاقم العمل، فضلًا عن رعاية الابتكارات المخبرية التي يتمّ تكييفها للاستخدام الفعال والمستدام في البيئات منخفضة الموارد؛
- تحسين الوصول إلى تدابير وقائية واسعة النطاق مثل خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية والتطعيم التي لا تتصدى لمقاومة مضادات الميكروبات فحسب، بل أيضًا لانتقال الأمراض المعدية الأخرى.
- الوصول العالمي العادل إلى المنتجات الطبية بأسعار معقولة لمعالجة مقاومة مضادات الميكروبات مثل الأدوية ووسائل التشخيص، بما في ذلك المنتجات القديمة والجديدة.
بالنسبة للمنتجات الحالية، يستلزم ذلك ما يلي:
- تمكين البلدان من جمع بيانات جيّدة عن إمكانية الوصول؛
- تسهيل التصنيع المتنوع جغرافيًا؛
- تمكين البلدان من إدارة سلاسل الإمدادات بشكل أفضل وتوقع الاحتياجات؛
- تعزيز المنصات المجمعة والجديدة لعمليات الشراء على الصعيد الإقليمي والدولي والتي يمكن للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل اختيار الوصول إلى الأدوات من خلالها.
بالنسبة للمنتجات الجديدة، يستلزم ذلك ما يلي:
- الاستثمار العام الإضافي في البحث والتطوير مع توفير شروط متينة لتعزيز الوصول إلى المنتجات المضمنة في أيّ اتفاقية تمويل وضمان توفرها بتكلفة معقولة.
- إعطاء الأولوية لمبادرات البحث والتطوير العامة وغير الربحية، إذ تهيئ ظروفًا أفضل للوصول إلى الخدمات وتعزز إدارة المضادات الحيوية والتعاون الذي يفضي للتغلب على المعوقات العلمية في البحث والتطوير في مجال المضادات الحيوية على غرار شبكات التجارب السريرية العالمية الكبيرة التي لها مواقع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
- هياكل حوكمة شاملة تمثل احتياجات البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وتحدد أولوياتها – مع أحكام محدّدة لتلبية احتياجات العاملين في المجال الإنساني – ومدعومة بتمويل كافٍ لتلبية الاحتياجات العالمية ومقسمة بشكل عادل بين الدول.
- ينبغي للوثيقة الختامية للاجتماع الرفيع المستوى أن تركز على أولويات المجتمعات الأكثر تأثرًا بمقاومة مضادات الميكروبات بشكل مباشر اليوم.
- يجب ضمان مشاركة المجتمع المدني بشكل فعال في صياغة وإدارة المبادرات والأدوات وأطر المساءلة المتعلقة بمقاومة مضادات الميكروبات، بما في ذلك ضمن عملية عقد الاجتماع الرفيع المستوى.
- سوف يتطلّب التصدي لمقاومة مضادات الميكروبات على مستوى العالم تمويلًا ضخمًا يتجاوز بكثير ما هو متاح حاليًا ضمن آليات التمويل القائمة. وينبغي أن تعكس التزامات ومسؤوليات التمويل الموارد والقدرات المتاحة لدى البلدان، وينبغي مواءمة آليات التمويل مع البرامج القائمة للصحة والتأهب والاستجابة للأوبئة للحدّ من التقسيم والأعباء الإدارية على البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.