متاح أيضاً باللغة
شهادة شخصية من ليو كانز، رئيس بعثة أطباء بلا حدود في فلسطين (المقيم في القدس)
الوضع كارثي في غزة، والمستشفيات مستنزفة. فالجرحى يصلون بأعداد هائلة ويستمر تدفقهم إلى جميع مستشفيات القطاع. الفرق الطبية منهكة كذلك، إذ تعمل على مدار الساعة لعلاج الجرحى.
القصف شديد للغاية ويطال مبانٍ بأكملها، بما في ذلك مبنى محاذٍ لمكتب أطباء بلا حدود. يتلقى السكان في بعض الأحيان رسائل نصية في منتصف الليل لإخلاء منازلهم، كما حصل مع بعض أعضاء فريقنا في غزة. فيوقظون أطفالهم في منتصف الليل ويغادرون منازلهم من دون أخذ أي من مقتنياتكم للتوجه إلى ملاذ آمن. لكنهم لا يعرفون إلى أين يتّجهون في أغلب الأحيان ويجدون أنفسهم في العراء في منتصف الليل تحت وابل من القنابل. فأين مأمنهم؟
تشير التقديرات الأخيرة إلى بلوغ مجموع النازحين نحو مئتي ألف نازح، لا سيما الأشخاص الذين تلقوا تلك الرسائل النصية ودُمِّرت منازلهم. يحتاجون الآن إلى كل شيء من مياه ومرافق استحمام وطعام وفرشات للنوم… باختصار، هذه الاحتياجات متنوعة لكنها أساسية قي الوقت نفسه.
والآن، قررت الحكومة الإسرائيلية أن تقطع إمدادات المياه والكهرباء بشكل كامل عن القطاع، بالتزامن مع تعرّض شبكات الهواتف لأضرار جسيمة. لم نتمكّن هذا الصباح من التواصل مع فريقنا في غزة عبر الهاتف. لا شك أن كل ذلك يصعّب تنسيق عمليات الإنقاذ والوصول إلى الجرحى.
يسود الذّعر في أوساط سكان غزة اليوم. أتواصل مع زملائنا في القطاع بانتظام. هم أناسٌ أقوياء لأنهم عاشوا حروبًا كثيرة للأسف، لكن الوضع الحالي يسبب لهم قلقًا شديدًا. يخبروننا إن الوضع مختلف هذه المرة، إذ لا يرون أي مخرج في الأفق ويتساءلون عما ستؤول إليه الأمور. ضائقتهم النفسية شديدة، وما من كلمات تعبّر عما يمر به السكان.
أما بالنسبة إلى أطباء بلا حدود، فإننا قلقون بشدة لأن المرافق الطبية لم تستثنَ من الهجمات. تعرض أحد المستشفيات التي ندعمها إلى قصف جوي أوقع أضرارًا فيه. ودمّرت غارة جوية أخرى سيارة إسعاف تنقل الجرحى أمام المستشفى الذي نعمل فيه مباشرة. وقد اضطر فريق أطباء بلا حدود إلى مغادرة المستشفى سريعًا فيما كان يجري عملية جراحية لأحد المرضى. وفي هذا الصدد، نعيد ونكرر: يجب احترام المرافق الطبية، وهذا أمر لا يقبل التفاوض.
تتبرع أطباء بلا حدود حاليًا بالأدوية الأساسية والمعدات الطبية إلى المستشفيات الرئيسية في قطاع غزة. أرسلنا كذلك فرقًا جراحية إلى مستشفيين للمساعدة في علاج الجرحى. وسنجري في الأيام المقبلة الكثير من جراحات ما بعد العمليات، إذ يحتاج معظم الجرحى إلى عدة جراحات كي ينجوا. وأنشأنا البارحة عيادةً وسط مدينة غزة للمصابين بجروح أخرى وسنسعى إلى إبقائها في الخدمة في حال سنحت الظروف.
وصباح يوم أمس، استقبلنا طفلًا يبلغ من العمر 13 عامًا احترق جسده بشكل شبه كامل بعد سقوط قذيفة بجانب منزله تسببت بحريق. هذه حالات تحتاج علاجًا شديد التعقيد في هذه الظروف، وعندما يكون المصابون أطفالًا، يصعب تحمّل رؤيتها.
سجّلت حدّة العنف والقصف مستويات صادمة، وكذلك عدد القتلى. لا يجب أن يؤدي إعلان الحرب إلى عقاب جماعي لسكان غزة تحت أي ظرف من الظروف. فقطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود عن القطاع غير مقبول، إذ يعاقب كافة السكان ويحرمهم من احتياجاتهم الأساسية.