في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية: جدري القرود تحدٍ آخر وسط سيل من المشاكل الحيوية
في يوم الأربعاء 15 أغسطس/آب، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن ارتفاع حالات جدري القرود هي حالة طوارئ صحية عامة مثيرة للقلق الدولي (PHEIC) بسبب تزايد الإصابات في العديد من البلدان، لا سيما في قارة إفريقيا. وشددت منظمة الصحة العالمية على الحاجة الملحة إلى تعزيز الرصد والتطعيم وتدابير الصحة العامة للسيطرة على تفشي المرض.
في جمهورية الكونغو الديمقراطية، يتوطن جدري القرود في العديد من الأقاليم. وفي العام الماضي، زادت الحالات المبلغ عنها بشكل كبير، وقد تجاوز عدد الحالات المبلغ عنها حتى الآن هذا العام إجمالي العام الماضي، حيث أُبلغ عن أكثر من 20,000 حالة مشتبه فيها ومؤكدة، وأكثر من 630 حالة وفاة، من يناير/كانون الثاني إلى 2 سبتمبر/أيلول 2024.
أقامت منظمة أطباء بلا حدود عمليات لمعالجة تفشي جدري القرود في 4 أقاليم في جمهورية الكونغو الديمقراطية (شمال وجنوب كيفو وجنوب أوبانغي وإكواتور) وكذلك في بوروندي المجاورة للوقاية من المرض وعلاجه وزيادة الوعي ومكافحة العدوى.
عادت الدكتورة تجشري شاه، المديرة العامة لمنظمة أطباء بلا حدود وطبيبة الأطفال المتخصصة في الأمراض المعدية، مؤخراً من شمال كيفو، وهو إقليم في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، البلد الذي يعد مركزاً لتفشي جدري القرود الحالي في إفريقيا. وتؤكد في هذه المقالة القصيرة أن احتواء الفيروس في المواقع الشرقية للنازحين سيكون مستحيلاً ما لم تُبذل جهود للاستماع إلى احتياجات الناس وتحسين الظروف المعيشية المروعة التي يعانون منها منذ مدة طويلة.
في غوما، بدا أن العديد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم كانوا يشعرون بأن أمراً ما جديداً وغير مؤكد ومخيف قادم. لكن لا أحد يستطيع حتى الآن التنبؤ بما سيعنيه ذلك بالنسبة لهم أو مدى عمق تأثيره على حياتهم.
جدري القرود ليس جديداً في جمهورية الكونغو الديمقراطية. هذا المرض متوطن في عدة أجزاء من البلاد، وكانت البلاغات بوقوع حالات إصابة في ارتفاع على مدى العقد الماضي. ومع ذلك، في شمال كيفو وجنوب كيفو، تحور الفيروس إلى شكل يبدو أكثر قابلية للانتقال بين البشر، وهو ما يمثل مصدر قلق كبير حيث تم الإبلاغ عن حالات في المناطق المكتظة بالسكان مثل غوما – وهي مدينة يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة – وفي المواقع التي لجأ إليها مئات الآلاف بسبب الأزمة المسلحة المستمرة في شمال كيفو.
وبينما يبقى فتك هذه السلالة الجديدة محدوداً، لا يزال هناك سبب للقلق. لماذا؟ لأن الظروف اللازمة لمنع انتشاره في غوما وحولها ليست موجودة ببساطة، والقدرة على توفير الرعاية للمرضى المعرضين لخطر المضاعفات – الأطفال الصغار والأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية المتقدم – لا تزال محدودة.
كيف يمكننا أن نتوقع من أسر تعيش في ملاجئ صغيرة، دون مياه كافية، أو مرافق صرف صحي، أو حتى صابون، تنفيذ تدابير وقائية؟ كيف يمكن لأطفال يعانون من سوء التغذية أن يكون لديهم القوة لدرء المضاعفات؟ وكيف يمكننا أن نتوقع عدم انتشار هذا المتحور– الذي ينتقل بشكل خاص من خلال الاتصال الجنسي – في مواقع النزوح نظراً للمستويات الهائلة من العنف والاستغلال الجنسيين اللذين يؤثران على الفتيات والنساء اللواتي يعشن هناك؟
نددت منظمة أطباء بلا حدود مراراً وتكراراً بالظروف المعيشية اللاإنسانية التي يواجهها الناس في المخيمات، والثغرات الواضحة في الاستجابة الإنسانية. بعد مرور أكثر من عامين على بدء ما يسمى “أزمة M -23” والنزوح الجماعي الذي تسببت فيه، لا تزال العائلات التي تعيش في المخيمات المكتظة تفتقر إلى الضروريات: الغذاء والماء والسلامة ومستلزمات النظافة الأساسية، فضلاً عن توفر الصرف الصحي والرعاية الصحية.
خلال جلسة استشارية حضرتُها مع الناجيات من الاغتصاب، أخبرتني امرأة أنها تعيش مع أطفالها السبعة تحت سقف بلاستيكي. تركها زوجها بعد أن تعرضت للاغتصاب. بالنسبة للنساء مثلها، فإن الإجراءات والحلول المجرَّبة لمنع انتشار الوباء صعبة التطبيق للغاية. إذا أصيبت بطفح جلدي بسبب جدري القرود، فسيُطلب منها تغيير الأغطية والبياضات، وغسل كل شيء جيداً، وتعقيم متعلقاتها، وعزل نفسها حتى تشفى. ولكن كيف يمكنها أن تغسل بدون صابون وليس لديها سوى بضعة لترات فقط من المياه كل يوم؟ كيف يمكنها عزل نفسها وحماية أطفالها بينما يعيشون معاً تحت مأوى صغير بسقف بلاستيكي؟ إذا عزلت نفسها، فمن سيؤمّن الطعام للأطفال؟ من سيجمع الحطب؟ من سيعتني بالمولود الجديد؟
بالنسبة لها ولجميع أولئك الذين لجأوا إلى مخيمات النازحين، يبدو تفشي جدري القرود وكأنه مجرد تحد آخر وسط سيل من المشاكل. وبصراحة، لا يُعدُّ المشكلة الأكثر إلحاحاً نظراً للمصاعب اليومية التي يواجهونها، بما في ذلك تفشي الأمراض الأخرى التي تهدد الحياة مثل الحصبة أو الكوليرا.
ومع ذلك، فإن جدري القرود موجود وتجب معالجته. ولمواجهة هذا التحدي الإضافي الجديد، نحتاج إلى جعل أساسيات حياة الناس أسهل من خلال استجابة مصممة خصيصاً لاحتياجاتهم المحددة وتحديات الحياة الفعلية. ويبدأ ذلك بالاستماع إلى الناس وفهم احتياجاتهم وتزويدهم بالمستلزمات الأساسية لمكافحة العدوى: وهي الماء والصابون والمطهرات ومرافق الصرف والنظافة الصحية. وهي أمور بسيطة، ولكنها ضرورية. لا يمكننا الاعتماد فقط على وصول اللقاحات لحل المشكلة. كما يعد تحسين الظروف المعيشية للناس عاملاً حاسماً في مكافحة مثل هذه التفشيات.
جنباً إلى جنب مع السلطات الصحية، تبذل فرقنا قصارى جهدها لتوفير الرعاية ورفع مستوى الوعي لأولئك الذين يعيشون في المواقع، كما نفعل في أجزاء أخرى من البلاد المتضررة من تفشي المرض. وكحال الكثيرين، نأمل أن تصل اللقاحات التي طال انتظارها إلى البلاد في أقرب وقت ممكن. ومع ذلك، فإنها لن تكون عصاً سحرية: يجب على الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية أيضاً أن تعالج بشكل عاجل أسس استجابة الجدري، والتي يجب تكييفها مع احتياجات وواقع الناس.