لبنان
دورنا ونهجنا
عملت منظمة أطباء بلا حدود في لبنان للمرة الأولى عام 1976 عندما استجابت للاحتياجات خلال الحرب الأهلية في البلاد. واليوم، تهدف أنشطة أطباء بلا حدود لمعالجة الفجوات في الاحتياجات الطبية للأشخاص الأشد حاجة في لبنان، سواء كانوا لبنانيين أو لاجئين من سوريا وفلسطين أو عمّالًا مهاجرين يأتون من بلدان عدة.
دمّرت الحرب الاسرائيلية عددًا من مرافق البنى التحتية الصحية في المناطق شديدة التضرّر خلال الحرب، ودفعت أكثر من مليون شخص إلى ملاجئ مكتظة ومجتمعات مضيفة، وقوّضت حصول نحو مليوني شخص على خدمات الرعاية الصحية. كما يستضيف لبنان أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ من سوريا وفلسطين، بالإضافة إلى نحو 250 ألف عامل وعاملة مهاجرين، ممن كانوا ضمن الفئات المحرومة من المساعدة الإنسانية خلال الحرب في لبنان.
اضطر الناس في لبنان الذين وصلوا إلى حافة الهاوية لمواجهة أزمات مزدوجة، بين الانهيار الاقتصادي وتداعيات النزاع المسلّح الذي أدّى إلى حالة طوارئ طبية وإنسانية حادّة.
واستجابةً للاحتياجات في عام 2024، حرصت أطباء بلا حدود على استكمال جهودها في دعم الوصول إلى الرعاية الصحية الأولية، بما في ذلك رعاية الأمراض غير السارية والرعاية الإنجابية ورعاية الأطفال وخدمات الصحة النفسية. وفي الوقت نفسه، دعمت فرقنا خمسة مراكز للرعاية الصحية الأولية في طرابلس لتعزيز رعاية الأمراض غير السارية وخدمات الصحة النفسية من خلال حزمة رعاية شاملة تركز على المريض، بما يتماشى مع توصيات وزارة الصحة العامة ومنظمة الصحة العالمية. كما توفر فرقنا التوجيه الفني وبناء القدرات للمعالجين في المرافق الشريكة، بالإضافة إلى الأنشطة المجتمعية ودعم المرضى المتعايشين مع أمراض غير سارية ودعم أنشطة الصحة النفسية وأنشطة التوعية الصحية والدعم في شراء الأدوية.
ومنذ تصعيد القصف الإسرائيلي والتوغل البري في سبتمبر/أيلول 2024، وسّعت أطباء بلا حدود دعمها في البلاد، إذ أرسلت فرقًا طبية إلى مختلف أنحاء لبنان، في المناطق الأكثر تضررًا من الحرب كبيروت وجبل لبنان وبعلبك-الهرمل وجنوب لبنان. وبالإضافة إلى الفرق المتنقلة، دعمت أطباء بلا حدود المستشفيات المحلية من خلال عقد تدريبات لإدارة حالات الإصابات الجماعية، ووفّرت آلاف الأطنان من المواد الطبية والإغاثية لتعزيز قدراتهم.
كما وزّعت أطباء بلا حدود مواد الإغاثة الأساسية كالفرش والبطانيات ومواد النظافة الصحية ومياه الشرب للنازحين. ووفّرت الفرق أيضًا المياه بالشاحنات ودعمت المبادرات المحلية التي قدّمت الوجبات في ملاجئ عدة.
تستكمل منظمة أطباء بلا حدود دعمها الهادف إلى معالجة الاحتياجات الطبية والطارئة، سيما أن مجتمعات عدة لا زالت في حاجة شديدة إلى المساعدة. إلا أن رحلة التعافي طويلة ومجهولة، فينما يكافح الناس لإعادة بناء حياتهم في جو من انعدام الأمن والاستقرار.
توفّر أطباء بلا حدود خدمات الرعاية الصحية الأولية في ضواحي مدينة بيروت، حيث تعاني المجتمعات الأكثر حاجة من وصول محدود إلى الخدمات الاجتماعية والصحية. كانت ضواحي بيروت الجنوبية من المناطق الأكثر تضررًا في الحرب في لبنان، ما أضاف معوقات تحول دون حصول الناس على الخدمات الأساسية، بينما دمّر القصف الإسرائيلي البنى التحتية الأساسية كالمياه والكهرباء. تقدّم فرقنا خدمات الصحة الإنجابية والدعم النفسي والاستشارات الطبية العامة ورعاية الأمراض غير السارية، بالإضافة إلى تحصين الأطفال باللقاحات الروتينية. تكمّل هذه الخدمات أنشطة التوعية الصحية والدعم الاجتماعي، بما في ذلك الإحالة إلى المستشفيات والخدمات القانونية وغيرها من الخدمات التي تشتد الحاجة إليها والتي تقع خارج نطاق استجابة المنظمة.
تدير فرقنا عيادتين: الأولى تعمل منذ عام 2013 وتقع في برج البراجنة حيث يعيش الكثير من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، والثانية تعمل منذ عام 2020 وتقع في برج حمود، حيث يعيش عمّال مهاجرون من بلدان أفريقية وآسيوية مختلفة. خدماتنا متوفّرة لجميع مَن يحتاجها، إلا أن تواجدنا في محيط هذه المناطق يهدف إلى توفير الرعاية الصحية لفئات قد يعانون للحصول على تلك الخدمات.
وقبل الحرب، وفّرت فرق أطباء بلا حدود أيضًا الرعاية الطبية المنزلية للأشخاص طريحي الفراش في شاتيلا وبرج البراجنة، بهدف تأمين الرعاية الصحية للناس غير القادرين على التنقّل للحصول عليها.
في عام 2024، وحتى نهاية شهر يوليو/تموز، واصلت أطباء بلا حدود توفير خدمات الرعاية الصحية الإنجابية والدعم النفسي واللقاحات الروتينية للأطفال، والتي دُمجت في مركز المقاصد للرعاية الصحية الأولية في وادي خالد، حيث الوصول إلى الخدمات الأساسية يشوبه تحديات كبرى. وُفِّرت هذه الخدمات خلال العام بالتعاون مع المقاصد إلى أن دُمجت بحلول نهاية شهر يوليو/تموز. يتماشى هذا التعاون مع استراتيجيتنا الرامية إلى تعزيز قدرات الرعاية الصحية المحلية في لبنان وتقوية نظام الرعاية الصحية المحلي، بما يضمن حصول السكان على الرعاية الصحية بشكل مستدام وطويل الأمد. يُوفّر هذا التعاون الدعم التقني واللوجستي وتعزيز قدرات الكادر الطبي والتبرع بالموارد للمقاصد.
كذلك وضعت فرقنا نظام رقابة مجتمعية لمراقبة أي أنماط وتوجهات مرتبطة بالصحة، إلى جانب زيارات منتظمة للمجتمعات المحلية لرفع مستوى الوعي حول المواضيع الصحية الرئيسية وتعزيز السلوكيات الصحية.
تدهورت الظروف المعيشية في طرابلس مع مرور الوقت بسبب قلة المساكن، والبنية التحتية المستنفدة، ونقص المياه النظيفة والصرف الصحي، والوصول غير الكافي للخدمات الاجتماعية. يعاني نظام الرعاية الصحية في المدينة من ضغوطات كبيرة ويواجه الكثير من التحديات التي تتعلق في المقام الأول بضمان حصول الناس على خدمات الرعاية الصحية والأدوية. في يونيو/حزيران 2022، أطلقت منظمة أطبّاء بلا حدود مشروعًا لدعم خمسة مرافق للرعاية الصحية الأساسية في طرابلس لتعزيز الرعاية للأمراض غير السارية وخدمات الصحة النفسية من خلال حزمة رعاية شاملة تركز على المريض، بما يتماشى مع توصيات وزارة الصحة العامة ومنظمة الصحة العالمية. كما توفر فرقنا التوجيه الفني وبناء القدرات للمعالجين في المرافق الشريكة، بالإضافة إلى الأنشطة المجتمعية ودعم المرضى المتعايشين مع أمراض غير سارية ودعم أنشطة الصحة النفسية وأنشطة التوعية الصحية والدعم في شراء الأدوية. يبقى هذا المشروع أحد أولوياتنا، إذ لا زال النظام الصحي للبلاد يحتاج الدعم بسبب الأعباء الإضافية والتداعيات القائمة للحرب.
في محافظة بعلبك-الهرمل، قوّضت الأزمة الاقتصادية الحالية من قدرات الرعاية الصحية المحدودة أصلًا، كما كانت المنطقة من الأكثر تضررًا خلال الحرب في عام 2024. عاد الكثير من السكان إلى منازل وبنى تحتية أساسية مدمّرة، ما حدّ من قدرة الناس على الحصول على الرعاية الصحية. تدير فرقنا عيادتين منذ أكثر من ثلاثة عشر عامًا، إحداها في عرسال والثانية في الهرمل.
في كلتا العيادتين، توفر منظمة أطبّاء بلا حدود خدمات الرعاية الصحية الأساسية للمرضى الذين يعانون من أمراض غير سارية (مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والربو والصرع) وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية للنساء، والاستشارات الطبية للأطفال وخدمات الصحة النفسية للمجتمعات المحتاجة في المناطق المحيطة. كذلك توفر أطباء بلا حدود الوصول إلى الرعاية الصحية المتخصصة للمستشفيات الشريكة، بما في ذلك الولادات ورعاية حديثي الولادة والأطفال ورعاية مضاعفات الأمراض المزمنة.
وضعت فرقنا في كلتا المنطقتين نظامًا للكشف والتبليغ عن أمراض معدية قد تتحوّل إلى تفشيات وأحداث الصحة العامة، كالإسهال المائي الحاد والتهاب الكبد الوبائي أ والكوليرا والجرب والقمل والحصبة في المجتمعات في عرسال والهرمل. من خلال أنشطة المراقبة المجتمعية، أنشأنا شبكة من منسقي المراقبة، تقدم لهم فرق التوعية الصحية الدعم عبر الإشراف والتدريب. يقوم الفريق الطبي بالتحقق من التنبيهات والإبلاغ عنها داخليًا في المنظمة ومع وزارة الصحة العامة.
في شهر أغسطس/آب 2024، تعاونت منظمة أطباء بلا حدود مع وزارة الصحة العامة وعدد من الجهات الفاعلة الدولية لتنفيذ حملة تلقيح واسعة النطاق تغطّي 75 في المئة من الفئات المعرّضة للخطر في عرسال. هدف ذلك إلى حماية المجتمع من الكوليرا، فالبلدة معرّضة لخطر انتشار المرض بسبب ضعف البنى التحتية للمياه والصرف الصحي.
استهدفت الحملة اللبنانيين ومجتمعات اللاجئين الذين يعيشون في مناطق مكتظة تنقصها الخدمات لمنع تفشي الوباء خصوصًا وأن الكوليرا كان موجودًا في بلدان مجاورة.
بعيد الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 والتي تسببت بنزوح آلاف الأشخاص، أرسلت أطباء بلا حدود فرقًا طبية متنقلة لدعم مركزين للرعاية الصحية الأولية في النبطية.
تحوّلت الاشتباكات إلى حرب مدمّرة دامت شهرين أواخر العام في سبتمبر/أيلول 2024 واشتدّ القصف الإسرائيلي في مختلف أنحاء لبنان وبدء التوغل البري. واستجابةً للاحتياجات، وسّعت أطباء بلا حدود نطاق عملها فأرسلت 22 فريقًا طبيًا متنقلًا في أنحاء لبنان، وخصوصًا في المناطق الأشد تضررًا بالحرب أو المناطق التي استضافت عددًا كبيرًا من النازحين في الملاجئ أو المجتمعات المضيفة. هذا وقد دمّرت الحرب عددًا من مرافق البنى التحتية الصحية في المناطق شديدة التضرّر خلال الحرب، ودفعت أكثر من مليون شخص إلى ملاجئ مكتظة ومجتمعات مضيفة، وقوّضت حصول قرابة مليوني شخص على خدمات الرعاية الصحية.
يهدف تنقّل الفرق إلى ضمان الوصول المستمر للرعاية الصحية للأشخاص النازحين الذين يعانون من أمراض مزمنة ويجب عليهم متابعة العلاج أو الاستشارات الطبية. يجري الفريق الإسعافات النفسية الأولية ويُحيل الأشخاص الذين يحتاجون المزيد من الدعم النفسي إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية أو جمعيات أخرى لمتابعة حالاتهم. كما أطلقنا الخط الساخن للصحة النفسية والذي يقدّم الدعم للأشخاص الذين لا يقدرون على زيارتنا.
في طرابلس، حيث ندعم مراكز الرعاية الصحية الأولية لتعزيز رعاية الأمراض غير السارية وخدمات الصحة النفسية عبر حزمة رعاية شاملة تركز على المريض من خلال الإرشاد الفني وتعزيز القدرات، زدنا كذلك عدد مراكز الرعاية الصحية الأولية التي ندعمها.
وفي المقابل، بالتعاون مع وزارة الصحة العامة وشركاء صحيين، أجرت فرقنا جلسات التدريب للعاملين في مجال الرعاية الصحية. ركّزت الجلسات على رعاية الجروح البليغة وحالات تدفق الإصابات الجماعية وأجريت في عدة مستشفيات في المناطق المتضررة. تهدف هذه الجهود إلى تعزيز قدرات المستشفيات على الاستجابة لحالات الطوارئ خصوصًا في ظل تأثر النظام الصحي بالأزمة الاقتصادية في البلاد بشكل كبير. كما استوردنا أطنانًا من المواد وخزّنا موادًا طبية في المستشفيات والمرافق.
شملت هذه الجهود المستشفى التركي في صيدا، والذي تلقّى المواد الطبية الأساسية وجلسات التدريب، كما أرسلنا فريقًا جراحيًا للمساعدة في إجراء العمليات الجراحية للأشخاص المصابين خلال الحرب. ساهم هذا الدعم في إعادة افتتاح المستشفى لضمان عملها على المدى الطويل.
وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، إلا أن الناس يعودون إلى بلداتهم ليجدوها متضررة أو مدمرة. لم يقدر البعض على العودة بسبب استمرار التواجد العسكري الإسرائيلي في بلداتهم وقراهم. هذا ويواجه كلٌ من العائدين والنازحين صعوبات جمّة في الحصول على الرعاية الطبية بسبب تدمير البنى التحتية كالمياه والكهرباء والطبابة، ونقص الكوادر في المرافق الصحية وارتفاع كلفة العلاج الطبي التي أصبحت تفوق قدرات المادية للكثير من الناس بسبب خسارتهم لمصدر رزقهم خلال أشهر الحرب. إلا أن رحلة التعافي طويلة ومجهولة، بينما يكافح الناس لإعادة بناء حياتهم في جو من انعدام الأمن والاستقرار.
تلتزم أطباء بلا حدود بمعالجة الاحتياجات الطبية والطارئة من خلال عياداتنا، بينما تكمل الفرق المتنقلة عملها في ظلّ حاجة مجتمعات عدة إلى المساعدة، كما نتبرع بمواد الإغاثة ومواد النظافة الصحية.