قليل من الأمن وكثير من القلق: شهادات النازحين من الضاحية الجنوبية لبيروت
تحوّلت بناية اللعازارية التي كانت مركزًا تجاريًا حيويًا في قلب بيروت إلى ملجأ للنازحين بسبب القصف الإسرائيلي المستمر في لبنان. يؤوي هذا الملجأ المؤقت الآن أكثر من 2,500 شخص، والظروف هنا مزرية، ذلك أن هذا المرفق لم يكن مخصصًا للمعيشة على المدى الطويل، ما يجعل العائلات تعاني من نقص الموارد والاحتياجات الأساسية. أرسلت أطباء بلا حدود وحدة طبية متنقلة إلى هناك، حيث توفر الرعاية الصحية الأساسية والدعم النفسي الضروريين، خاصة للأطفال المتضررين. كما وزعت المنظمة مواد ضرورية غير غذائية مثل منتجات النظافة الصحية والفرش والبطانيات للمساعدة في تحسين الظروف المعيشية لهذه الأسر المحتاجة.
“لا أريد أن أغادر…”
كان عماد هاشم البالغ من العمر 55 عامًا يعيش مع زوجته وشقيقته وابنه وابن عمه في ضاحية بيروت الجنوبية. وفي أعقاب غارة 27 سبتمبر/أيلول، قررت العائلة مغادرة الضاحية، حاملين معهم كل ما يستطيعون حمله. احتاجت العائلة إلى بضعة أيام للعثور على الفرش والبطانيات، ويوضح عماد أنهم الآن يتمكنون من البقاء على قيد الحياة في ملجأ اللعازارية بفضل توزيع الطعام بانتظام. إلا أن رب الأسرة يشعر بالقلق بشأن الظروف المعيشية في الملجأ، خاصة مع قدوم فصل الشتاء والأمطار والبرد. كما أنه يشعر بالقلق على صحة ابن عمه المصاب بالسرطان والذي لم يتلق العلاج ليومين. يضيف عماد، “كنا نستلم هذا العلاج الباهظ الثمن من وزارة الصحة، ولكننا الآن لسنا متأكدين من كيفية الحصول عليه”.
يأمل عماد أن يتمكن من العودة إلى منزله يومًا ما. يقول في هذا الصدد، “لا أريد أن أغادر لبنان، لكن لديّ ابن وزوجة عليّ الاعتناء بهما. إذا كانت الطريقة الوحيدة لاستعادة الاستقرار هي المغادرة، فسنغادر. لكن إلى أين وكيف، ليس لدي أي فكرة”.
أطفال يكبرون قبل أوانهم
تنحدر ازدهار الضيقة البالغة من العمر 39 عامًا من بعلبك، وكانت تعيش مع زوجها وابنتها وابنها في ضاحية بيروت الجنوبية. وفي مساء يوم 28 سبتمبر/أيلول، قرابة الساعة 10:30 مساءً، وبينما كانت العائلة تتناول العشاء، تلقوا إنذارًا بقصف وشيك في الحي، فقرروا الإجلاء.
أخذت ازدهار ابنتها وابنها وغادرت الضاحية الجنوبية إلى وسط العاصمة مع 14 من جيرانها. قضوا ليلتهم الأولى في الشوارع قبل أن ينتقلوا إلى ملجأ اللعازارية. وبعد أسبوعين في الملجأ، توضح ازدهار أنها لا تشعر بالأمان هنا، ولا تعرف إلى أين تذهب لتكون في مأمن من القصف، خاصة بعد استهداف وسط بيروت.
ازدهار مصممة على مواجهة هذه التحديات مرفوعة الرأس، على أمل أن تعود الأمور إلى طبيعتها. لكنها ترى كأم عواقب الحرب على أطفالها. تقول، “ابنتي في الرابعة عشرة فقط، ولكن مع كل الصعوبات التي واجهناها، فغالبًا ما تتفاعل مع المواقف، وتحديدًا الغارات الجوية، بنضج يفوق سنوات عمرها. كان عليها أن تنضج بسرعة”.
لجوء فنزوح
جاء عباس البالغ من العمر 28 عامًا من سوريا إلى لبنان بحثًا عن الأمان مع زوجته ووالديه، لكنه فقد وظيفته عندما اندلعت الحرب. كانت العائلة تعيش في ضاحية بيروت الجنوبية وقررت مغادرة المنطقة هربًا من القصف. وبعد عدة ليالٍ في الشوارع، انتقلوا إلى ملجأ اللعازارية حيث يتشاركون غرفة واحدة. يقول عباس إنه قلق جدًا على صحة ابنه أمير البالغ من العمر ثمانية أشهر. يقول، “يعاني أمير من الحمى، وهو مريض بشدة منذ أن وصلنا إلى هنا. لقد نفد منا الحليب والحفاضات. كما أنه يبكي أكثر فأكثر، وأعتقد أنه يدرك تغير البيئة وانعدام الأمن الذي نعيش فيه، خاصةً بسبب أصوات القصف”.
يوضح عباس أنه غادر سوريا آملًا بحياة أفضل، لكنه يشعر الآن بأنه عالق. دُمر منزل عبّاس في سوريا، حيث لا يسمح له الوضع الاقتصادي بالعثور على عمل، ويبدو أن عودته إلى وطنه مستحيلة.
“حتى لو انتهت الحرب، ماذا سيتبقى من منزلنا؟”
غادرت زينب عزير البالغة من العمر 29 عامًا ضاحية بيروت الجنوبية مع زوجها وأطفالهما في اليوم التالي للغارة الإسرائيلية في 27 سبتمبر/أيلول. توجهت العائلة في البداية إلى الشمال، لكن طُلب منهم مغادرة المنطقة. ولأنه شعروا بأنهم غير مرحب بهم، فقد قرروا أن يعودوا إلى بيروت. استقروا في ملجأ اللعازارية للنازحين، حيث يعيش الزوجان في غرفة مساحتها عشرة أمتار مربعة مع أطفالهما الأربعة.
تصف زينب الشعور الغامر بعدم اليقين الذي يسيطر عليها منذ أن اضطرت إلى ترك أحبائها ومنزلها وراءها، “لم يعد بإمكاني تخيل المستقبل هنا. حتى لو انتهت الحرب، ماذا سيتبقى من منزلنا؟ هل ستنجو عائلتي وأصدقائي؟” وعلى الرغم من أنها عاشت حرب عام 2006، إلا أنها تصف الوضع الحالي بأنه مقلق أكثر بكثير. وهي قلقة أيضًا من تأثير الحرب على أطفالها. وضعت الحرب ضغطًا على الصحة النفسية لكل منهم. تصف زينب الليالي المليئة بالكوابيس والاستيقاظ باستمرار بفعل أبسط ضجيج. وعندما ضربت قنبلة إسرائيلية مبنى على بعد كيلومترين من الملجأ قبلها بيوم، طلب منها أطفالها أن ينتقلوا إلى مكان آمن، وهي أيضًا ترغب في المغادرة. تفكر زينب مع زوجها بمغادرة لبنان بغض النظر عن الوجهة، طالما أن أطفالهما في أمان ويمكنهما التطلع إلى مستقبل آمن.
أُجبر أكثر من مليون شخص في لبنان على النزوح، والعديد منهم في حاجة ماسة إلى المساعدة. ونشرت منظمة أطباء بلا حدود 14 فريقًا طبيًا متنقلًا في أنحاء لبنان لتقديم الرعاية إلى المجتمعات النازحة في بيروت، جبل لبنان، صيدا، طرابلس، البقاع، وعكار. فرقنا متواجدة على الأرض في مراكز الإيواء، مراكز الرعاية الصحية الأولية، والأماكن العامة لتقديم الاستشارات الطبية، الأدوية، الإسعافات النفسية الأولية، والدعم النفسي. كما نقوم بتوزيع البطانيات، الفرشات، مستلزمات النظافة، وتوصيل المياه إلى المراكز المختلفة.