عيادات أطباء بلا حدود المتنقلة توفّر الرعاية في الغوطة الشرقية بسوريا بعدما عانت من الإهمال

عيادات أطباء بلا حدود المتنقلة توفّر الرعاية في الغوطة الشرقية بسوريا بعدما عانت من الإهمال

يقول رئيس بعثة أطباء بلا حدود في سوريا باتريك ويلاند، “كان ذهابنا إلى الغوطة الشرقية ورؤيتها على هذه الحال مفجعًا بحق. فالدمار هائل والناس بالكاد متماسكون، وغارقون في فقر مدقع، ويحتاجون إلى الخدمات الطبية بشدة”.

بعد سنوات من الإهمال، أصبحت مظاهر الحياة الطبيعية نادرة في الغوطة الشرقية، والتي تبعد 10 كيلومترات عن دمشق. الشوارع التي تتراكم على جانبيها أنقاض المباني فقدت أي أثر للحياة. كما يواجه السكان هنا أعباء اقتصادية ثقيلة، فيما تركت سنوات من إغلاق المرافق الصحية احتياجات طبية هائلة وسط محدودية الخدمات المتاحة. لا تزال معاناة الغوطة الشرقية بعيدة كل البعد عن نهايتها، وهناك حاجة ماسة للدعم العاجل في الوقت الراهن.

في أعقاب سقوط حكم بشار الأسد الذي دام 24 عامًا، تمكنت أطباء بلا حدود أخيرًا من الوصول إلى دمشق لأول مرة منذ أكثر من عقد. وفي 21 يناير/كانون الثاني، بدأنا بتشغيل عيادات متنقلة لتوفير الرعاية الصحية الأساسية، مثل الاستشارات المرتبطة بالتهابات الجهاز الهضمي. ومنذ ذلك الوقت، تمكّنا من معاينة 576 مريضًا بينهم 77 طفلًا تحت سن الخامسة.

الأسر تعيش في هياكل المباني

كانت الغوطة الشرقية منطقة خصبة وخضراء تمتد على مساحة 110 كيلومترات مربعة، وتملؤها المزارع والأشجار المثمرة. لكن سنوات القصف الجوي العنيف من قِبل قوات الحكومة السورية السابقة أحالت الغوطة إلى ركام. لم يبقَ من هذه المنطقة التي طالما كانت مصدرًا للإنتاج الزراعي إلا أرضًا مدمرة، تكسوها هياكل المباني الرمادية، بلا أسطح أو نوافذ أو أي أثر للحياة. ومع ذلك كله، ما زالت الأسر موجودةً هنا وتعاني لتدبّر أمورها.

يعيش الناس في ظروف بالغة الصعوبة، إذ تفتقر المنطقة إلى المياه النظيفة والطعام الكافي، ولا تتوفر بنية تحتية مناسبة للصرف الصحي أو وسائل تدفئة في المنازل، مما يعرّض السكان لمختلف المخاطر الصحية.

تعيش عائلات بأكملها في ركام المباني المدمّرة التي تبدو وكأنها أتت من العصور الوسطى. لا يمكن تصور مستوى الإهمال في هذه المنطقة. والاحتياجات الطبية هائلة. لقد بات السعي للحصول على الرعاية الصحية أشبه بسباق يائس مع الزمن.
بلال السراقيبي، المرجع الطبي في مشروع أطباء بلا حدود بسوريا

فصل جديد من الأمل

منذ يناير/كانون الثاني 2025، أرسلت أطباء بلا حدود عدة فرق إلى مدن مختلفة في الغوطة الشرقية، بما في ذلك دوما وحرستا وزملكا وحمورية وعين ترما وكفربطنا، حيث تقدم فرقنا الرعاية الصحية الأساسية، مثل الاستشارات الطبية والدعم النفسي عبر العيادات المتنقلة.

لطالما سعينا للعمل في الغوطة خلال حكم بشار الأسد، لكن فرقنا مُنعت مرارًا من دخول المنطقة، مما أدى إلى تقليل فرص حصول السكان على الرعاية الصحية التي هم في أمسّ الحاجة إليها.

يقول محمد رياض الذي زار إحدى العيادات المتنقلة التابعة لأطباء بلا حدود، “عندما يصاب الناس بالمرض أو بالجروح، يواجهون صعوبات جمة للحصول على الرعاية الصحية، فليس هنالك سيارات إسعاف وأسعار الأدوية باهظة. تمثل العيادات المتنقلة فكرة رائعة. وإذا استطاعت أن تغطي جميع المناطق، فإنها ستوفر الكثير من العناء على الناس”.

تقدّم فرقنا المساعدة للمرضى الذين يعانون من الحالات الصحية المختلفة. وتشمل أكثر الحالات شيوعًا التهابات الجهاز التنفسي والربو والتهاب المعدة والأمعاء بسبب تلوث الطعام. نستقبل أيضًا أشخاصًا متعايشين مع الأمراض غير المعدية كالسكري وارتفاع ضغط الدم وغيرها من أمراض القلب والأوعية الدموية.

تعمل فرقنا أيضًا على تقييم الوضع الطبي والإنساني العام في هذه المدن. ويجري العمل حاليًا على فهم عمق احتياجات الناس هنا بعد سنوات من غيابنا عن المنطقة.

تحت الحصار والنيران

عندما سيطرت قوات المعارضة على الغوطة الشرقية في عام 2012، فرضت القوات المسلحة السورية حصارًا خانقًا على المنطقة. واستهدف القصف البري والجوي المتواصل المنازل والأسواق والمستشفيات، فيما منع دخول الغذاء والماء والأدوية بشكل متعمد كأسلوب من أساليب الحرب.

وتظهر الخسائر المدمرة التي لحقت بالسكان في تقرير أصدرته الأمم المتحدة. فبين 18 فبراير/شباط و11 مارس/آذار 2018، أسفرت الهجمات التي شنتها قوات الحكومة السابقة عن مقتل 1,100 شخص وإصابة أربعة آلاف آخرين. وخلال الفترة نفسها، أدى قصف جماعات مسلحة مختلفة على مدينة دمشق إلى مقتل وإصابة مئات الأشخاص الآخرين.

كافح الجميع لإنقاذ الأرواح

يقول عثمان الرفاعي، وهو أحد سكان الغوطة الشرقية، “بعد فرض الحصار في عام 2013، أصيب الكثير من الناس وفقدوا أطرافهم نتيجة الغارات الجوية اليومية. وكان الأطباء يسافرون إلى الخارج بسبب تدني الرواتب، وما زلنا نواجه تداعيات ذلك حتى اليوم”.

وبين عامي 2013 و2018، قدمت أطباء بلا حدود الدعم عن بُعد للمسعفين السوريين في الغوطة الشرقية، حيث أرسلنا الإمدادات الطبية والدعم المالي بالإضافة إلى تقديم التوجيه الفني. كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لمساعدة الفرق الطبية هناك نظرًا لعدم قدرتنا على العمل في المنطقة بشكل مباشر.

وفي عام 2013، دعمنا 20 عيادة ومستشفى، ولكن مع تصاعد العنف على مدار السنوات، انخفض هذا العدد إلى عيادة واحدة بحلول عام 2018. أما المرافق التسعة عشر الأخرى فإما أغلِقت أو هُجِرت بعد سيطرة قوات الحكومة السابقة على المنطقة. وفي مرحلة ما، لم يتبقَ أي مرفق يمكننا أن ندعمه.

ويضيف بلال السراقيبي، “اليوم، تبعث العيادات المتنقلة حسًّا بالارتياح لأناس قاسوا الكثير في الغوطة الشرقية على مدى السنوات الماضية. ورغم ما مروا به، لا يزال الناس قادرين على الابتسام. لقد عانوا كثيرًا، وهم في حاجة ماسة إلى الدعم لاستعادة حياتهم من جديد”.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp
Print

“إلحاق الأذى والحرمان من الرعاية الصحية” في الضفة الغربية

“إلحاق الأذى والحرمان من الرعاية الصحية” في الضفة الغربية

القدس، 6 فبراير/شباط 2025 – شهدت الضفة الغربية المحتلة تصاعدًا كبيرًا في استخدام القوات الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين للعنف الجسدي المتطرّف بحق الفلسطينيين منذ بدء الحرب الشاملة على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 كما جاء في آخر تقرير أصدرته منظمة أطباء بلا حدود. فقد قُتل ما لا يقل عن 870 فلسطينيًا وأصيب أكثر من 7,100 آخرين بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويناير/كانون الثاني 2025[1]. وبحسب التقرير الذي يحمل عنوان “إلحاق الأذى والحرمان من الرعاية الصحية”، أسفر اشتداد العنف في الضفة الغربية عن تقليص حاد في قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، علمًا أن هذه الممارسات تشكل جزءًا من نمط قمعي ممنهج تمارسه إسرائيل، وهو ما وصفته محكمة العدل الدولية بأنه يرقى إلى العزل العنصري والفصل العنصري.

يغطي التقرير الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأكتوبر/تشرين الأول 2024، ويتضمن مقابلات معمّقة مع 38 مريضًا وعاملًا من أطباء بلا حدود، بالإضافة إلى فرق المستشفيات من المسعفين والمتطوعين الذين تدعمهم المنظمة. وقد تحدّث هؤلاء عن التوغّلات العسكرية العنيفة والمطوّلة للقوات الإسرائيلية والقيود المشدَّدة على الحركة وكيف حدّت جميع هذه العوامل من قدرات الوصول إلى الخدمات الأساسية، ولا سيّما الرعاية الصحية. تدهور الوضع بشكل أكبر منذ إعلان وقف إطلاق النار في غزة وتردّت الظروف المعيشية الصعبة للكثير من الفلسطينيين الذين يدفعون أثمانًا باهظة على الصعيد الجسدي والنفسي.

وفي هذا السياق، يوضح منسق الطوارئ في أطباء بلا حدود، بريس دو لو فين، قائلًا، “يموت المرضى الفلسطينيون لمجرد أنهم غير قادرين على الوصول إلى المستشفيات. نشهد اعتراض القوات الإسرائيلية لسيارات الإسعاف عند الحواجز، حتى أثناء نقلها لمرضى في حالات حرجة، إضافة إلى تطويق المرافق الطبية ومداهمتها خلال العمليات العسكرية، وتعريض العاملين في المجال الصحي للعنف الجسدي خلال مساعيهم لإنقاذ حياة الناس”.

وفي ظل هذه الظروف، تلقّت كوادر منظمة أطباء بلا حدود تقارير عن تزايد الهجمات على الطواقم والمرافق الطبية، والتي تشمل الهجمات على المستشفيات وتدمير المواقع الطبية المؤقتة في مخيمات اللاجئين، إضافةً إلى ما يتعرّض إليه المسعفون والعاملون الطبيون من مضايقة واحتجاز وإصابات وحتى قتل على يد القوات الإسرائيلية. وبين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وديسمبر/كانون الأول 2024، سجلت منظمة الصحة العالمية 694 هجومًا على الرعاية الصحية في الضفة الغربية، مع وقوع المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية غالبًا تحت حصار القوات العسكرية. هذا ويعبّر العاملون في القطاع الصحي عن شعورهم بانعدام الأمن، إذ يتعرضون بشكل متكرر للمضايقات والاحتجاز والإصابات، بل وحتى القتل.

ويقول مسعف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني التي تدعمها أطباء بلا حدود، “حاصرت القوات الإسرائيلية نقاط المعالجة المؤقتة [في طوباس] وأغلقت مداخلها، بالرغم من أنه كان من الواضح جدًا أن هذا مبنى طبي. أمرت القوات الإسرائيلية جميع المسعفين بالخروج من مركز الاستقرار. كان هناك حوالي 22 مسعفًا. أطلق الجنود الإسرائيليون النار داخل المبنى وخارجه، مما أدى إلى إتلاف إمداداتنا وتضرر مركز الاستقرار”.

في حالات الطوارئ الطبية، قد تؤدي القيود المفروضة على الحركة إلى تداعيات مهلكة. فقد تعرّض الوصول إلى الرعاية الصحية للعراقيل بشكل كبير في ظل إعاقة حركة سيارات الإسعاف واستهدافها، والتصعيد في العمليات العسكرية العنيفة التي تسفر عن الكثير من الضحايا والمصابين، إلى جانب الدمار الواسع الذي يطال البنية التحتية المدنية من طرق ومرافق صحية وشبكات مياه وكهرباء، خصوصًا في مخيمات طولكرم وجنين. وفي المناطق النائية وضواحي المدن مثل جنين ونابلس، تزداد الأوضاع قساوة، إذ يُجبر المرضى المصابون بأمراض مزمنة، مثل المحتاجين إلى غسيل الكلى بانتظام، على البقاء في منازلهم بسبب العقبات الكبيرة التي تحول دون وصولهم إلى الرعاية الصحية.

إلى جانب التوغلات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، أدى عنف المستوطنين والتوسع المستمر في المستوطنات إلى تعريض الكثير من الفلسطينيين لمزيد من العنف وسط خشية من التنقل في جميع أنحاء الضفة الغربية. ووفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، تم تسجيل ما لا يقل عن 1,500 هجوم شنه المستوطنون الإسرائيليون على الفلسطينيين بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتشرين الأول/أكتوبر 2024.

وبصفة إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال، فهي تتحمل التزامات قانونية بموجب القانون الدولي لضمان إمكانية وصول السكان إلى الرعاية الصحية وحماية العاملين في المجال الطبي. يواجه نظام الرعاية الصحية في الضفة الغربية ضغطًا هائلًا، مما يجبره على العمل بحالة طوارئ دائمة.

تدعو أطباء بلا حدود إسرائيل إلى وقف عنفها ضد الطواقم الطبية والمرضى والمرافق الصحية ووقف الهجمات التي تعيق الكوادر الطبية عن أداء واجباتها المنقذة للحياة.

[1] مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ، 31 ديسمبر/كانون الأول 2024

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print

أطباء بلا حدود تعزز عمليات الطوارئ في جنوب لبنان خلال مرحلة التعافي ووسط استمرار الهجمات

أطباء بلا حدود تعزز عمليات الطوارئ في جنوب لبنان خلال مرحلة التعافي ووسط استمرار الهجمات

منذ سريان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، لا زالت القوات الإسرائيلية تجري عملياتها العسكرية في جنوب لبنان. عاد مئات الآلاف من الأشخاص إلى منازلهم وقراهم في جنوب لبنان، غير أن الكثيرين وجدوا منازلهم مدمّرة بفعل القصف الإسرائيلي وما زالوا حتى الآن في حالة من النزوح. في الوقت نفسه، لا يستطيع الكثير من الناس العودة إلى ديارهم بسبب استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في بلداتهم وقراهم. ويواجه كل من العائدين والنازحين تحديات كبيرة في الحصول على الرعاية الصحية، بسبب تدمير البنية التحتية ونقص الكوادر الطبية وارتفاع تكاليف العلاج التي باتت تفوق قدرة الكثيرين ممّن انقطعت مصادر دخلهم خلال أشهر الحرب.

واستجابةً لذلك، وسّعت منظمة أطباء بلا حدود الطبية والدولية نطاق عملياتها خلال الستين يومًا الماضية، إذ نشرت ثلاثة فرق طبية متنقلة تخدم 11 بلدة في محافظة النبطية، مكمّلةً بذلك فريقين طبيين متنقلين يزوران بلدات محافظة الجنوب. تعمل هذه الفرق على سدّ الثغرات الحرجة في مجال الرعاية الصحية في بعض المناطق المتضررة بشدة من خلال توفير الخدمات الطبية الأساسية لمن يحتاجها.

منذ سريان وقف إطلاق النار في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، استمرت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار وشن الغارات وهدم البنى التحتية المدنية مخلّفةً مزيدًا من الدمار والضحايا المدنيين في جنوب لبنان كل يوم. وقد تفاقمت معاناة هذه المجتمعات بشكل كبير، لا سيما أن الناس يقاسون في الأساس للتعامل مع خسائرهم وتحمّل تبعات الحرب.
فرانسوا زامباريني، منسق الطوارئ في أطباء بلا حدود بلبنان

وفقًا لوزارة الصحة العامة، قُتل 83 شخصًا وأصيب ما لا يقل عن 228 آخرين على يد القوات الإسرائيلية في لبنان منذ إعلان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تضرر أو دُمّر أكثر من 90,000 مبنى، بما في ذلك المنازل والشركات والمرافق الزراعية والمدارس والبنية التحتية للمياه، بسبب القصف الذي طال جميع أنحاء البلاد.

وفي هذا السياق، يوضح زامباريني، “إنّ حجم الدمار هائل، فقد تحولت المدن إلى أنقاض ودُمّرت المنازل والمدارس والأراضي الزراعية. تلتزم منظمة أطباء بلا حدود بدعم الناس خلال فترة التعافي هذه وبضمان عدم تركهم من دون الرعاية الطبية الأساسية أثناء سعيهم لإعادة بناء حياتهم”.

بلغ عدد الفرق الطبية المتنقلة التابعة لأطباء بلا حدود 15 وحدة في جميع أنحاء البلاد، وهي توفر خدمات الرعاية الصحية الأساسية وأدوية الأمراض المزمنة والتوعية والتثقيف في المجال الصحي، بالإضافة إلى الدعم النفسي والرعاية التمريضية بعد العمليات الجراحية.

منذ سريان وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 15 يناير/كانون الثاني 2025، قدمت فرقنا في جنوب لبنان أكثر من 19,000 استشارة طبية عامة ونظمت 3,427 جلسة توعية وتثقيف صحي، كما وفرت خدمات الدعم النفسي لأكثر من 3,000 شخص، علمًا أن هذا العمل الحيوي ما زال مستمرًا. أما المرضى الذين يعانون من حالات طبية معقدة، فيُحالون إلى مستشفى الطوارئ الحكومي، أي المستشفى التركي، في مدينة صيدا، حيث تعمل أطباء بلا حدود بالشراكة مع وزارة الصحة العامة لتقديم رعاية مجانية عالية الجودة في حالات الإصابات والطوارئ والجراحة لجميع المجتمعات المحلية في لبنان.

وبالإضافة إلى الرعاية الصحية، تلبّي أطباء بلا حدود أيضًا الاحتياجات الإنسانية العاجلة في البلد. ففي منطقة بنت جبيل المتضررة بشدة، تتبرع المنظمة بمواد الإغاثة الأساسية، وقد قدمت حتى الآن 7,000 بطانية و4,000 فرشة و5,820 مجموعة من مستلزمات النظافة الصحية، فضلًا عن 2,015 حصيرة  وغيرها من الضروريات لدعم المجتمعات المتضررة في إعادة بناء حياتها. تنشط فرقنا كذلك بالتنسيق مع عدة مستشفيات متضررة في المنطقة لتقديم الدعم الذي يشمل التبرع بالوقود و19,270 من المواد الطبية، وتدريب الطاقم الطبي على التعامل مع حالات الطوارئ.

ويقول زامباريني، “يجب بذل جهود جادة لضمان سلامة المدنيين ومرافق الرعاية الصحية والفرق الطبية. من شأن أي تصعيد في العنف أو أي انتهاك لوقف إطلاق النار أن يهدد سلامة آلاف العائلات في جنوب لبنان التي سبق لها أن خسرت الكثير”.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp
Print

الدمار في شمال غزة مشهد لا يوصف

الدمار في شمال غزة مشهد لا يوصف

على الرغم من الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة أخيرًا، استمرت معاناة سكان القطاع نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل خلال الأشهر الأخيرة. وواجهت محافظة شمال غزة بشكل خاص حصارًا خانقًا، كما تعرّضت للقصف والهجمات المروّعة. في الوقت نفسه، لم تتمكّن أي مساعدات إنسانية تقريبًا من الدخول إلى الشمال، وحُرم الناس من خدمات الرعاية الصحية، إذ تعرّضت المستشفيات أيضًا للحصار وباتت ساحةً للتوغلات. وفي عيادتنا في مدينة غزة، يروي المرضى الذين عاشوا الرعب وتمكّنوا من الفرار قصصًا عن تجاربهم خلال هذا الحصار.

كان مصطفى حسن أبو حمادة يعيش مع عائلته في مخيم جباليا في شمال غزة عندما فُرض الحصار الأخير والوحشي للقوات الإسرائيلية والذي دمّر المدينة بأكملها وأدى إلى مقتل وإصابة عدد لا يحصى من المدنيين، بمن فيهم أحد أفراد طاقم أطباء بلا حدود.

ويشرح مصطفى، “حاول أشخاص كانوا أمامنا الهروب عند تقاطع العودة، لكن سرعان ما أُطلق عليهم النار. فأُجبرنا على الرجوع. قلنا في أنفسنا ’دعونا نموت في منازلنا‘. أفضّل الموت في منزلي على أن أخوض رحلة نزوح”.

يشن الجيش الإسرائيلي هجومًا بريًا على شمال قطاع غزة منذ السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2024. يمثل هذا الهجوم العسكري المستمر دليلًا دامغًا على الحرب الوحشية التي تشنها القوات الإسرائيلية على غزة، إذ نشهد محوًا لمعالم الحياة الفلسطينية من المنطقة.

وتوضح صباح الشراوي التي كانت تحتمي بمنزلها في بيت حانون شمال غزة عندما استهدفته غارة جوية، “عندما وصلت القوات الإسرائيلية، بقينا لساعة أو ساعتين قبل أن تمطرنا القذائف من كل حدبٍ وصوب”.

وتردف قائلة، “اخترقت القذيفة الأولى غرفة المعيشة. وأصابتني في كلتا ساقيّ، فأخذونا إلى مستشفى كمال عدوان. وفي طريقنا إلى هناك، كانت الجثث ممددة في كل مكان والكلاب تنهشها. حامت المسيّرات وطائرات الهليكوبتر فوق رؤوسنا”.

أُجليت صباح من مستشفى كمال عدوان إلى مدينة غزة حيث هي نازحة الآن، وتتلقى حاليًا العلاج لجروحها في عيادة أطباء بلا حدود في غزة.

وتضيف، “دفنت ابنتي وغادرت. لم أتمكّن من رؤيتها للمرة الأخيرة حتى. لم أرَ ابنتي أو أيًا من أحبائي. غادرت من دون أن أرَ أحدًا”.

وبالإضافة إلى الدمار الجارف، ترك الهجوم آلاف الأشخاص في شمال غزة من دون غذاء أو ماء أو رعاية صحية، علمًا أن هذه الظروف تترك آثارًا كارثية، لا سيما على كبار السن والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، على غرار المتعايشين مع عجز أو إعاقة.

هذا وقد تعرّضت المستشفيات تباعًا للحصار والاقتحامات العنيفة على مدار أسابيع، فاحتُجز عدد كبير من أعضاء الفرق الطبية، بما في ذلك أحد أفراد طاقم أطباء بلا حدود. وتقلص تدريجيًا عدد المستشفيات القادرة على استقبال الناس، حتى خرج جميعها عن الخدمة في التاسع من يناير/كانون الثاني ولم يبقَ مستشفى للأشخاص المحتاجين إلى الرعاية الطبية في شمال غزة . ومنذ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لم تسمح السلطات الإسرائيلية بدخول شاحنات الإمداد التابعة لأطباء بلا حدود إلى الشمال، ما يعني أن الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية معيّنة، ومنها جروح الحرب، كانوا شبه عاجزين عن الوصول إلى الرعاية الطبية.

وفي ظل هذا الوضع الذي لا يُطاق في شمال غزة، خاطر عدد كبير من الأشخاص بحياتهم للتوجّه إلى مدينة غزة. هذا ولاحظنا في عيادتنا زيادةً في عدد المرضى الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية، فانتقلنا من تقديم قرابة 600 استشارة طبية أسبوعيًا قبل أكتوبر/تشرين الأول 2024 إلى أكثر من 1,400 استشارة طبية أسبوعيًا منذ بدء التوغلات العنيفة وحتى ديسمبر/كانون الأول 2024، مع زيادةً في الإصابات الناجمة عن الحروق.

ويقول نائب المنسق الطبي مع أطباء بلا حدود في غزة، محمد وادي،  “هذا الوضع غير مسبوق بصراحة. أنا في الأربعين من عمري ولم أشهد مثل هذا المستوى من العدوان أو النزاع طوال حياتي. قضت هذه الحرب على كثير من جوانب الحياة. فمياه الشرب غير متوفرة. والطعام، للأسف، غير متوفر بشكل كافٍ. هذا الوضع مفجع للغاية”.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp
Print

ارتياح ما بعد وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة: لا بد من ضخ المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة بشكل عاجل لتلبية الاحتياجات

ارتياح ما بعد وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة: لا بد من ضخ المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة بشكل عاجل لتلبية الاحتياجات

إن الاتفاق على وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة يبعث على الارتياح، ولكنه جاء متأخرًا، بعد أكثر من 465 يومًا و46 ألف خسارة في الأرواح.  وفي حين يجب احترام هذا الوقف المؤقت للقتال والقصف على المدى الطويل، فهو ليس سوى البداية في معالجة الاحتياجات الإنسانية والنفسية والطبية الهائلة للسكان في غزة.  على إسرائيل أن تنهي فورًا حصارها المفروض على غزة وأن تضمن زيادة هائلة في الإغاثة الإنسانية إلى مختلف انحاء القطاع كي يُمكّن لمئات الآلاف من الأشخاص الذين يعانون من ظروف بائسة بأن يبدأوا طريقهم الطويل نحو التعافي.

وتشمل الخسائر الناجمة عن هذه الحرب الشنيعة طمس المنازل والمستشفيات والبنية التحتية، وتشريد ملايين الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة الآن إلى الماء والغذاء والمأوى في فصل الشتاء البارد.  وتسبب الدمار الهائل في آلام ومعاناة الملايين من سكان قطاع غزة، بينما انتظرت الكثير من العائلات في إسرائيل بفارغ الصبر عودة أحبتها الذين أُخذوا رهائن في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وعلى مدار أكثر من 15 شهرًا، امتلأت غرف المستشفيات في غزة بمرضى بُترت أطرافهم وغير ذلك من الإصابات البالغة التي بدّلت مجرى حياتهم، والأشخاص المنكوبين الذين يبحثون عن جثث أفراد عائلاتهم. هوجمت المرافق الصحية والطواقم الطبية، وقتل ثمانية من زملائنا في أطباء بلا حدود خلال هذه الحرب. وفي الوقت ذاته، وصل عدد الأشخاص المعتقلين بشكل تعسّفي من غزة والضفة الغربية إلى مستوى مروع.

لا تزال أطباء بلا حدود ملتزمة بالعمل على مدار الساعة لتوفير الرعاية لسكان غزة. لقد تفاقمت الاحتياجات الإنسانية لتبلغ مستويات كارثية؛ ولن يكون ممكنًا أن يُلبّى ولو جزء بسيط من هذه الاحتياجات إلا من خلال زيادة سريعة وواسعة النطاق للمساعدات الإنسانية من حول العالم ووصولها إلى مختلف أنحاء القطاع. ندعو السلطات الإسرائيلية إلى ضمان الدخول العاجل للمساعدات الإنسانية إلى غزة، وضمان الإجلاء الطبي للمرضى، ولا سيما الوصول إلى الشمال المحاصر منذ أكتوبر 2024. كما ندعو إسرائيل وحماس والمجموعات والتنظيمات الأخرى التي تُدير غزة إلى احترام الاتفاق، وكذلك إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان بشكل آمن ومضمون.

لقد خُذل الغزيون بشكل مأساوي من قبل الحكومة الإسرائيلية وحماس وزعماء العالم، إذ أخفقوا في الاتفاق على وقف إطلاق النار وفرضه في وقت أقرب. فالارتياح الذي يجلبه وقف إطلاق النار هذا أبعد من أن يكفي الناس لإعادة بناء حياتهم واستعادة كرامتهم والحداد على من قتلوا وكل ما فقدوه.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp
Print

الاحتياجات الإنسانية في لبنان: المشهد ما بعد وقف إطلاق النار

الاحتياجات الإنسانية في لبنان: المشهد ما بعد وقف إطلاق النار

بعد مرور شهرين على التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني بين لبنان وإسرائيل، لا تزال الاحتياجات الإنسانية قائمة. فاعتبارًا من التاسع من يناير/كانون الثاني (بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية)، بدأ ما يقدر بـ868,947 نازحًا بالعودة إلى المناطق التي تضررت بشدة من الحرب، لا سيما في محافظات الجنوب والنبطية وبعلبك-الهرمل، بالإضافة إلى ضاحية بيروت الجنوبية. ويواجه هؤلاء العائدون دمارًا هائلًا في منازلهم والبنية التحتية المدنية وشبكات توزيع المياه والمرافق الصحية. ويواجه لبنان حاليًا العواقب الأليمة للحرب، والطريق إلى التعافي على مستوى البنية التحتية وعلى المستوى الإنساني لا يزال طويلًا.

بالنسبة للعائدين، فإن الحصول على الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والتدفئة والغذاء ومواد الإغاثة والرعاية الصحية يمثل تحديًا كبيرًا في خضم الدمار وقسوة طقس الشتاء. تقوم فرق أطباء بلا حدود بالتبرع بمواد الإغاثة مثل الفرش والبطانيات ومستلزمات النظافة الصحية والمياه الصالحة للشرب، كما توفر الرعاية الصحية الأولية من خلال فرق متنقلة في بيروت والجنوب والنبطية والبقاع وبعلبك-الهرمل.

أما الذين دُمّرت منازلهم أو تضررت بشدة فلا يزالون نازحين، ويقدر عددهم بقرابة 115,439 شخص (بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية). واضطر الكثير منهم إلى البحث عن مأوى في أماكن أخرى ضمن مجتمعاتهم، إما باستئجار منازل إذا كانت لديهم الإمكانيات، أو بالعيش في شقق تمتلكها العائلة والأصدقاء.

بالإضافة إلى ذلك، تسببت الأنشطة العسكرية الإسرائيلية المستمرة في جنوب لبنان بمنع الكثير من الأشخاص من العودة إلى مناطقهم في بعض القرى. فعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، وقعت حوادث قصف وتوغلات برية إسرائيلية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 27 مدنيًا بحسب السلطات اللبنانية.

لا يزال الحصول على الرعاية الصحية يشكل تحديًا بعد الحرب. فقد دُمرت عدة مرافق طبية أو تضررت، بما في ذلك المستشفيات والعيادات، ما يحدّ بشكل كبير من إمكانية حصول المحتاجين على الرعاية الصحية. نحن نرى الكثير من المرضى الذين توقف علاجهم الروتيني للأمراض المزمنة. وهناك طلب كبير على خدمات الرعاية النفسية مع عودة الناس إلى ديارهم.
سادي سان دني، نائب منسق الطوارئ في أطباء بلا حدود في لبنان

والكثير من المستشفيات والعيادات في المناطق المتضررة من الحرب إما قد تضررت بشدة أو دُمّرت بالكامل، ما يفاقم الوضع المتردي أساسًا.

وقد أدى الضرر الذي لحق بهذه الخدمات الحيوية إلى خلق فجوة في الرعاية الطبية للمحتاجين إليها. وتحولت الاحتياجات في لبنان من توفير الرعاية الصحية في الملاجئ ونقاط تجمع النازحين خلال الحرب إلى توفير الرعاية الصحية في المناطق المتضررة بشدة من القصف.

واستجابةً لذلك، تواصل أطباء بلا حدود نشر 15 فريقًا طبيًا متنقلًا في مختلف أنحاء لبنان، أربعة منها في محافظة بعلبك-الهرمل وستة في جنوب البلاد في محافظتي الجنوب والنبطية، بينما تستجيب الفرق الستة الأخرى للاحتياجات في البقاع وجبل لبنان ومناطق أخرى.

وتركز الفرق الطبية المتنقلة على المناطق والبلدات التي يتجمع في ملاجئها السوريون الوافدون حديثًا واللبنانيون العائدون أو ممن وجدوا مأوى لدى المجتمعات المضيفة.

أعادت فرقنا كذلك افتتاح عيادتنا القائمة منذ زمن في برج البراجنة بضاحية بيروت الجنوبية التي تضررت بشدة، بعد أن اضطرت العيادة لإغلاق أبوابها لمدة شهرين في ظل القصف الإسرائيلي. كما أعدنا فتح عيادتنا في الهرمل بكامل طاقتها الاستيعابية بعد أن اقتصرت خدماتها على توزيع أدوية الأمراض غير السارية لضمان استمرارية الرعاية خلال الحرب.

قدمت أطباء بلا حدود أكثر من 4,967 استشارة طبية في جنوب لبنان إحدى المناطق الأشد تضررًا بفعل الحرب و4,460 استشارة في بعلبك-الهرمل و1,326 في بيروت منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp
Print

أطباء بلا حدود تعلق أنشطتها في أحد المستشفيات الرئيسية في الخرطوم

أطباء بلا حدود تعلق أنشطتها في أحد المستشفيات الرئيسية في الخرطوم

الخرطوم/بروكسل. تدين منظمة أطباء بلا حدود بشدة الهجمات العنيفة المستمرة على المرضى والموظفين في مستشفى بشائر التعليمي، الواقع في منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع في الخرطوم. وعلى الرغم من التواصل المكثف مع جميع أصحاب المصلحة، استمرت هذه الهجمات في الأشهر الأخيرة. واتخذت منظمة أطباء بلا حدود الآن القرار البالغ الصعوبة بتعليق جميع الأنشطة الطبية في المستشفى.

خلال العشرين شهراً التي عملت فيها فرق أطباء بلا حدود جنباً إلى جنب مع طاقم المستشفى والمتطوعين، شهد مستشفى بشائر حوادث متكررة لمقاتلين مسلحين يدخلون المستشفى بالأسلحة ويهددون الطاقم الطبي، وغالباً ما يطالبون بمعالجة المقاتلين قبل المرضى الآخرين. وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تم إطلاق النار على مريض وإردائه قتيلاً داخل المستشفى. وفي 18 ديسمبر/كانون الأول، أطلق مهاجمون النار داخل جناح الطوارئ، وهددوا العاملين في الطاقم الطبي بشكل مباشر. وفي حادثة سابقة، تم إطلاق النار على المستشفى، ودخل الرصاص مجمع المستشفى، وأصيب شخص واحد.

المعاناة التي نشهدها في الخرطوم كبيرة. يستمر العنف الشديد والبالغ يومياً. وبسبب النقص في المواد الغذائية والإمدادات والمساعدات الإنسانية يعاني الناس الأمرّين من أجل تأمين مقومات الحياة. الاحتياجات الطبية هائلة. غالباً ما تكون الإصابات مروعة. أصبحت حوادث الإصابات الجماعية روتينية تقريباً. وقد عمل فريقنا وطاقم المستشفى والمتطوعون بلا كلل في ظروف صعبة للغاية لتوفير الرعاية الطبية. ولكن بدون توفر الأمن والسلامة للعمل، أصبح من غير الممكن الاستمرار عندما تكون حياة موظفينا ومرضانا مهددة.
كلير سان فيليبو، منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود

مستشفى بشائر هو واحد من آخر المستشفيات العاملة في جنوب الخرطوم التي تقدم الرعاية الطبية المجانية. ومنذ نهاية سبتمبر/أيلول، شهد المستشفى زيادة في حالات الأشخاص الذين يصلون بإصابات عنيفة مع تصاعد القتال. وفي بعض الأحيان يصل عشرات الأشخاص إلى المستشفى في نفس الوقت بعد القصف أو الغارات الجوية على المناطق السكنية والأسواق. وفي يوم الأحد 5 يناير/كانون الثاني 2025، تم إحضار 50 شخصاً إلى غرفة الطوارئ – 12 منهم وصلوا وقد فارقوا الحياة – بعد غارة جوية على بعد كيلومتر واحد من المستشفى.

وفي الوقت نفسه، شهدت فرقنا زيادة في حالات طب الأطفال والأمومة حيث أغلقت المرافق الصحية الأخرى أو قللت خدماتها. كما كنا نستجيب لتفشي الكوليرا والملاريا وحمى الضنك ونرى مستويات مقلقة للغاية من سوء التغذية.

وقد واجه المستشفى بالفعل صعوبات جدية. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، تم تعليق جميع العمليات الجراحية مؤقتاً بعد أن منعت القوات المسلحة السودانية وصول الإمدادات الجراحية. كما أن نقل الإمدادات الطبية وتنقلات الموظفين من بورتسودان محظور منذ أكثر من عام. كما اضطرت أطباء بلا حدود في السابق إلى تعليق الأنشطة الطبية في المستشفى التركي القريب في يوليو/تموز من العام الماضي نتيجة للتهديدات والعنف ضد الموظفين.

إنه لأمر كارثي أن نضطر إلى التوقف عن دعم الرعاية الطبية المنقذة للحياة في هذا المستشفى، لا سيما في ظل هذه الاحتياجات الطبية الكبيرة والمتنامية. وفي كل مرة تضطر فيها المنظمة إلى تعليق الأنشطة، يكون لدى المرضى وصول أقل إلى الرعاية الطبية التي يحتاجون إليها بشدة. يجب أن تكون المستشفيات أماكن يمكن للناس فيها طلب الرعاية الصحية دون المخاطرة بحياتهم وحيث يمكن للطواقم الطبية تقديم الرعاية بأمان.
كلير سان فيليبو، منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود

وقد كان فريق من أطباء بلا حدود قد انضم بداية إلى المتطوعين والموظفين الطبيين الذين أعادوا فتح المستشفى في مايو/أيار 2023، بعد وقت قصير من بدء الحرب. وبين مايو/أيار 2023 وديسمبر/كانون الأول 2024، عالج المستشفى 25585 مريضاً في غرفة الطوارئ، أكثر من 9000 منهم بسبب العنف، مثل جروح الانفجارات والرصاص. وخلال الفترة نفسها، أجرى الفريق 3700 عملية جراحية – الغالبية العظمى منها إصابات مرتبطة بالعنف – وساعد في ما يقرب من 3800 ولادة، منها 850 عملية قيصرية. وتواصل منظمة أطباء بلا حدود العمل في 11 ولاية في السودان، بما في ذلك مدينة أم درمان في ولاية الخرطوم. ونأمل أن تسمح لنا الظروف بالعودة إلى مستشفى بشائر في المستقبل واستئناف الأنشطة الطبية.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp
Print

الرعاية الصحية تحت وطأة الاحتلال: سكان منطقة H2 في الخليل يعيشون ظروفًا خانقة

الرعاية الصحية تحت وطأة الاحتلال: سكان منطقة H2 في الخليل يعيشون ظروفًا خانقة

تُعرَف المنطقة H2 في الخليل بأنها من أكثر المناطق حظرًا في الضفة الغربية. تغطي المنطقة H2 حوالي 20 في المئة من مساحة الخليل، ويُضرب بها المثل عند الحديث عن التحدّيات التي تواجه الفلسطينيين الذين يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية. فهذه المنطقة التي يقطنها نحو سبعة آلاف فلسطيني وعدة مئات من المستوطنين الإسرائيليين تخضع لنظام تنقّل صارم وتتعرّض للإغلاق الممنهج والعنف المتواصل. وعليه، تعمل فرق أطباء بلا حدود في عيادتين ضمن منطقة H2 لتقديم الرعاية الصحية الأساسية والدعم في مجال الصحة النفسية إلى الفلسطينيين الذين يفتقرون إلى الرعاية الصحية.

تضم منطقة H2 في الخليل 28 حاجزًا دائمًا يحاصر الفلسطينيين داخل المنطقة، ويتم تدعيم عدد من الحواجز بأجهزة الكشف عن المعادن وكاميرات المراقبة وتكنولوجيا التعرف إلى الوجه، وبمرافق للاحتجاز والاستجواب، مما يحد بشدة من حركة السكان الفلسطينيين والعاملين في الرعاية الصحية.

ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على أهالي غزة، تضاعفت القيود التي تفرضها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ومنها الخليل. وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، وبدعوى مخاوف أمنية، أجبرت السلطات الإسرائيلية فرقَ أطباء بلا حدود على تعليق الأنشطة لأكثر من خمسة أشهر في عيادتها في حي جابر – وهي إحدى العيادتين التابعتين لأطباء بلا حدود في منطقة H2. كحلّ بديل، افتتحت أطباء بلا حدود عيادةً متنقلة على مقربة من حيّ جابر خارج الحاجز لتستقبل الأشخاص القادرين على مغادرة H2. وفي 15 مايو/أيار 2024، سمحت السلطات الإسرائيلية لأطباء بلا حدود باستئناف تقديم الرعاية الطبية في حي جابر.

رغم أننا قادرون الآن على تقديم الرعاية في عيادة أطباء بلا حدود في حيّ جابر، إلا أن الوصول إليها لا يزال صعبًا. فقد يتعرّض موظّفونا للتفتيش والتأخير عند الحواجز لدخول المنطقة H2. لا يجوز إطلاقًا المنع التعسفي للوصول إلى الرعاية الطبية أو إعاقته أو حجبه.
كلوي جانسن، منسقة المشروع في أطباء بلا حدود

القيود على الوصول إلى الرعاية الصحية

منذ بداية الحرب، لم يتمكن معظم أعضاء الطاقم الطبي التابع لوزارة الصحة من الحصول على التصاريح اللازمة لعبور الحواجز الإسرائيلية، مما  لم يسمح إلا لعيادة واحدة تابعة لأطباء بلا حدود بمواصلة العمل خلال هذه الفترة.

يشاركنا مريض في أطباء بلا حدود من منطقة H2 تجربته قائلًا، “عمري 77 عامًا، وقدماي تؤلمانني. تمنعنا القوات الإسرائيلية من استخدام المركبات، لذا أمسك بأيدي أطفالي وأسير بين المنازل للوصول إلى العيادة أو إلى أي خدمة طبية أخرى”.

كثيرًا ما تواجه أطباء بلا حدود انقطاعًا في خدمات عياداتها المتنقلة، إذ تُمنَع من دخول المنطقة أو تواجه قيودًا على الحركة خلال العطل الرسمية الإسرائيلية. وتؤثر هذه الانقطاعات في الرعاية الصحية على صحة المرضى بشكل عميق، لا سيما الذين يحتاجون إلى رعاية مستمرة كمرضى السكري أو ارتفاع ضغط الدم.

وإضافة إلى الرعاية الطبية الأساسية التي توفّرها عيادات أطباء بلا حدود، فإنها توفر أيضًا مساحة نادرة للتواصل الاجتماعي في بيئة تتسم بالعزلة ومحدودية الحركة. فتعالج العيادات المتنقلة بين 60 و70 مريضًا مرّتين في الأسبوع، وتقدم الرعاية الصحية الجسدية إلى جانب الدعم النفسي لمساعدة السكان على التعامل مع الصدمات المستمرة التي تقترن بظروفهم.

الآثار على الأطفال والعائلات

بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومايو/أيار 2024، لم تفتح أبواب المدارس الفلسطينية الثلاثة التي تضم 350 طالبًا على الأقل، فيما لم يتمكّن 13,000 فلسطيني في المنطقة من متابعة التعليم حضوريًا. وقد ترك طلاب كثر مدارسهم بسبب العبء اللوجستي والنفسي الذي يفرضه التعليم في هذه الظروف. (OCHA)

وتوضح مستشارة الصحة النفسية في أطباء بلا حدود، علا الجعبري، “شهدنا تدهورًا ملحوظًا في الصحة النفسية لدى الأطفال. فالعديد من الأطفال يعانون من التبول اللاإرادي والكوابيس والصعوبات التعلمية. نشهد أيضًا أعراض التعرّض للصدمات على غرار فرط الحركة والصعوبة في التركيز التي يرتبط جميعها بأعمال العنف والقيود التي نشهدها كل يوم”.

وتضيف، “يعيش الأهل تحت ضغط هائل، فهم عاجزون عن تلبية احتياجات أطفالهم اقتصاديًا وعاطفيًا ونفسيًا. حتى أننا شهدنا تزايدًا في العنف الأسري نتيجة تراكم الضغط النفسي داخل المنزل”.

تقدم أطباء بلا حدود كذلك أنشطة ترفيهية للنساء والأطفال الفلسطينيين القادمين من جميع أنحاء الخليل. وفي هذا الصدد، توضح الجعبري “تقدّر المشاركات توفّر هذا المكان الآمن إذ يتيح لهنّ الالتقاء بنساء أخريات. وبالنسبة للقادمين من منطقة H2، تعدّ هذه المواعيد متنفسًا يهربون فيه من بيئة مقيّدة تشبه السجن“.

الآثار النفسية للصدمات المستمرة

تشرح مديرة أنشطة الصحة النفسية، لوسيا أوسكاتيغي، “لا يمكن الحديث عن اضطراب ما بعد الصدمة في فلسطين، فالصدمة هنا لا تنتهي. إنها صدمة معقّدة ومتواصلة وتلحق بجميع السكان”.

وتروي قصة صبي في الحادية عشرة من عمره أُجبر على الخضوع إلى تفتيش جسدي مهين عند نقطة تفتيش. وتقول، “رفض مغادرة منزله لأسابيع بعد ذلك. كان يعاني من الكوابيس ومن التبول اللاإرادي والقلق الشديد. أحضره والده إلينا، لكن الصدمة أثرت عليهما بعمق. هذا هو واقع الكثير من العائلات في منطقة H2”.

على الرغم من التحديات الهائلة، ما زال بعض أفراد المجتمع يُظهرون مرونة ملحوظة. ومع ذلك، تلاحظ لوسيا ارتفاعًا مقلقًا في الطرق غير الصحية التي يلوذ إليها الناس. وتقول، “نرى مزيدًا من الناس يتجهون إلى التدخين، أو يتصفحون هواتفهم إلى ما لا نهاية، أو يلجؤون إلى حلول سريعة أخرى توفر راحة قصيرة الأجل. أما الحلول طويلة الأجل، كالعلاج، فتبدو بعيدة المنال، لا سيما أن الناس فقدوا الأمل بالتغيير”.

حتى لو انتهى النزاع والاحتلال غدًا، ستستمر العواقب لسنوات عدة. يكمن عملنا في أن نبيّن للناس أنهم ليسوا وحدهم – فما زال هناك بصيص أمل، حتى في أحلك الأوقات.
لوسيا أوسكاتيغي، مديرة أنشطة الصحة النفسية

تدعو أطباء بلا حدود القوات الإسرائيلية إلى وقف التدابير التقييدية التي تعيق وصول الفلسطينيين إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الطبية. على إسرائيل اتّخاذ جميع التدابير الممكنة لتكون الرعاية الطبية متوفّرة للجميع من دون عوائق. كما لا يجوز أن تُقابَل مساعي الحصول على الرعاية الطبية بأي منع تعسّفي أو عراقيل أو حجب.

الرعاية الصحية تحت وطأة الاحتلال: سكان منطقة H2 في الخليل يعيشون ظروفًا خانقة
Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print

أطفال غزة في خطر المرض والموت مع حلول فصل الشتاء

أطفال غزة في خطر المرض والموت مع حلول فصل الشتاء

أجبرت الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة أكثر من 1.9 مليون شخص على النزوح قسرًا، تاركةً العائلات لتتحمل فصل الشتاء في خيام مؤقتة ومتهالكة لا تأوي من البرد في الحد الأدنى. يُشار إلى أن الأطفال يصبحون أكثر عرضة للأخطار الصحية المختلفة مع هبوط درجات الحرارة، لا سيما في الظروف الحالية للعائلات التي تفتقر إلى العناصر الأساسية كالمياه والطعام ومراكز الإيواء الدافئة.

وفي يوم 25 ديسمبر/كانون الأول، وصل ثلاثة أطفال رضع لا يتجاوز عمرهم الشهر الواحد مفارقين للحياة إلى مستشفى ناصر في خان يونس بغزة. وبحسب وزارة الصحة ، لقي الأطفال حتفهم جراء انخفاض درجات الحرارة . يعيش هؤلاء الأطفال في خيام في منطقة المواصي جنوب غزة التي لاذ إليها آلاف الفلسطينيين بعدما هجّرتهم القوات الإسرائيلية قسرًا ليعيشوا في ظروف مكتظة تفتقر إلى الصحة. ومع حلول فضل الشتاء على الخيام المتهالكة، ازدادت الأوضاع قساوة. فالعائلات تعيش في خيام هاوية تكاد لا تعزل أيًا من أمطار الشتاء. ومعظم هذه العائلات غير قادر على تحمل تكاليف وسائل التدفئة كالحطب أو الغاز أو حتى البطانيات الدافئة التي قد يصل سعرها إلى مئتي دولار، حتى وإن توفّرت في الأسواق المحلية في غزة.

رغم أن الناس كانوا نازحين خلال فصل الشتاء السابق وكانت الظروف قاسية، ولكن آنذاك، توفّرت بعض المباني التي يمكن الاحتماء بها. أمّا اليوم، وبعد 14 شهرًا من الحرب وتدمير البنى التحتية، انتقل معظم سكان غزة إلى الخيام التي تكاد لا تعزل أيًا من أمطار الشتاء وبرده قارس. والمطر ما زال مستمرًا منذ 12 ساعة.
باسكال كواسار، منسقة الطوارئ في أطباء بلا حدود

في قسم الأطفال الذي تدعمه أطباء بلا حدود في مستشفى ناصر في خان يونس بقطاع غزة، يظهر تأثير الكارثة الإنسانية جليًا على صحة الأطفال. ففي وحدة العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة، تعالج فرق أطباء بلا حدود الأطفال المصابين بالتهابات الجهاز التنفسي والجفاف، فضلًا عن المواليد الخدج الذين يعانون من المضاعفات – وهي حالات يمكن أن تهدد حياتهم وحياة المواليد الجدد. وبين أكتوبر/تشرين الأول 2024 إلى ديسمبر/كانون الأول 2024، استقبلت وحدة العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة التي تدعمها منظمة أطباء بلا حدود ٣٢٥ طفلًا.

ويشرح د. محمد أبو تيم الذي يعمل في قسم الأطفال في مستشفى ناصر، “إنّ الظروف الاستثنائية التي مررنا بها خلال 14 شهرًا، بالإضافة إلى انخفاض درجات الحرارة الذي أدى إلى تدهور الظروف المعيشية في الخيام الهشة، كلها عوامل تجعل من الأطفال أكثر عرضة لحالات انخفاض درجة حرارة الجسم”.

تسجّل الاحتياجات الصحية للأطفال مستويات هائلة، حتى أن قسم الأطفال، بما في ذلك وحدة العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة، يعمل فوق طاقته الاستيعابية منذ شهر يوليو/تموز. يحتوي هذا القسم على نحو 25 سريرًا وجميعها ممتلئ. يُشار إلى أن أكثر من ربع المرضى في القسم يتم إدخالهم بسبب متلازمة الضائقة التنفسية، وهي حالة يمكن أن تظهر لدى الأطفال الخدج، فيصبحون أكثر عرضة للخطر في الظروف المعيشية الصعبة التي تواجه الكثيرين في غزة.

حتى قبل أن تبدأ حياتهم خارج الرحم، يتعرض الأطفال الرضع لخطر المرض والموت. وبمجرد ولادتهم، يواجه الأطفال تحديات فورية وقاسية، فهم مشردون في برد الشتاء القارس، ولا يتوفّر لهم الدفء أو المأوى أو الرعاية الصحية اللازمة. هذا وتواصل إسرائيل قصف غزة وتقييد دخول الإمدادات الأساسية إلى القطاع، فيما تتعرّض شاحنات المساعدات للنهب في القطاع مما لا يتيح للكمية القليلة التي تسمح بها السلطات الإسرائيلية من الوصول إلى من يحتاجها.
باسكال كواسار، منسقة الطوارئ في أطباء بلا حدود

يُشار إلى أنّ أنشطة منظمة أطباء بلا حدود في مجال رعاية الأطفال وحديثي الولادة والتوليد لا تغطي إلا غيضًا من فيض الاحتياجات الطبية الكبيرة في غزة. إن وقف إطلاق النار الفوري والدائم في غزة هو الحل الوحيد لتخفيف معاناة الفلسطينيين وضمان الوصول إلى الرعاية الصحية والمساعدات الإنسانية. تدعو أطباء بلا حدود السلطات الإسرائيلية إلى ضمان دخول المساعدات الإنسانية بشكل سريع وآمن وكافي وخالٍ من العوائق لتلبية احتياجات السكان، بما في ذلك مستلزمات الشتاء والإمدادات الطبية. كما تدعو جميع الأطراف إلى ضمان وجود طرق آمنة لنقل المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة.

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp
Print

مصيدة الموت في غزة: تقرير منظمة أطباء بلا حدود يكشف حملة الدمار الشامل التي تشنها إسرائيل

مصيدة الموت في غزة: تقرير منظمة أطباء بلا حدود يكشف حملة الدمار الشامل التي تشنها إسرائيل

في خضم الهجمات المستمرة والحصار، إسرائيل تدمر ظروف الحياة في غزة.

باريس/بروكسل/برشلونة/القدس، 18 ديسمبر2024 – تُدمِّر الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على المدنيين الفلسطينيين على مدى الأشهر الأربعة عشر الماضية، وتفكيك نظام الرعاية الصحية والبنية التحتية الأساسية الأخرى، والحصار الخانق، والحرمان المنهجي من المساعدات الإنسانية ظروفَ الحياة في غزة، وفقاً لتقرير جديد لمنظمة أطباء بلا حدود حمل عنوان “غزة: العيش في مصيدة للموت”. وتدعو المنظمة الإنسانية الطبية الدولية بشكل عاجل جميع الأطراف، مرة أخرى، إلى وقف فوري لإطلاق النار لإنقاذ حياة الناس وتمكين تدفق المساعدات الإنسانية. ويجب على إسرائيل وقف هجماتها المستهدِفة والعشوائية ضد المدنيين، ويجب على حلفائها التصرف دون تأخير لحماية حياة الفلسطينيين والالتزام بقواعد الحرب.

وقال كريستوفر لوكيير، الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود، الذي زار غزة في وقت سابق من هذا العام: “يكافح الناس في غزة من أجل البقاء على قيد الحياة في ظروف مروعة، ولكن لا يوجد مكان آمن، ولا أحد في مأمن، ولا يوجد مخرج من هذا القطاع الممزق”.

وقال لوكيير: “العملية العسكرية الأخيرة في الشمال هي مثال صارخ على الحرب الوحشية التي تشنها القوات الإسرائيلية على غزة، ونحن نرى علامات واضحة على التطهير العرقي حيث يتعرض الفلسطينيون للتهجير القسري والحصار والقصف. ما شهدته فرقنا الطبية على الأرض طوال هذا الصراع يتوافق مع التوصيفات التي قدمها عدد متزايد من الخبراء القانونيين والمنظمات التي خلصت إلى أن إبادة جماعية تحدث في غزة. وبينما لا نملك المرجعية القانونية لإثبات التعمد، فإن علامات التطهير العرقي والدمار المستمر – بما في ذلك القتل الجماعي، والإصابات الجسدية والنفسية الشديدة، والتهجير القسري، والظروف المعيشية المستحيلة للفلسطينيين تحت الحصار والقصف – لا يمكن إنكارها.

رداً على الهجمات المروعة التي شنتها حماس وجماعات مسلحة أخرى في إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 – والتي قتل فيها 1200 شخص وأُخذ 251 شخصاً كرهائن – تقوم القوات الإسرائيلية بسحق جميع سكان غزة.  وبحسب ما ورد قتلت الحرب الإسرائيلية الشاملة على غزة أكثر من 45,000 شخص ، وفقاً لوزارة الصحة، بما في ذلك ثمانية من طواقم أطباء بلا حدود.  من المرجح أن يكون عدد الوفيات المرتبطة بالحرب أعلى بكثير بسبب تأثيرات نظام الرعاية الصحية المنهار وتفشي الأمراض ومحدودية الوصول إلى الغذاء والماء والمأوى. وقدرت الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام أن أكثر من 10,000 جثة لا تزال مدفونة تحت الأنقاض. ومنعت القوات الإسرائيلية في مرات عديدة المواد الأساسية مثل الغذاء والماء والإمدادات الطبية من دخول القطاع، وكذلك منعت المساعدات الإنسانية وأخرتها، كما هو موثق في التقرير. وقد نزح حوالي 1.9 مليون شخص- 90 في المئة من مجموع سكان القطاع – قسراً، وأجبر العديد منهم على النزوح عدة مرات.

ويعمل أقل من نصف مستشفيات غزة البالغ عددها 36 مستشفى بشكل جزئي، كما أن نظام الرعاية الصحية في حالة دمار. وخلال فترة السنة التي يغطيها التقرير – من أكتوبر 2023 إلى أكتوبر 2024 – تعرض موظفو أطباء بلا حدود وحدهم لـ 41 هجوماً وحادث عنف، بما في ذلك الغارات الجوية والقصف والتوغلات العنيفة في المرافق الصحية؛ وإطلاق النار المباشر على مراكز إيواء المنظمة وقوافلها؛ والاحتجاز التعسفي لأفراد من طواقمها من قبل القوات الإسرائيلية. واضطر الطاقم الطبي والمرضى على حد سواء إلى إخلاء المرافق الصحية بشكل عاجل في 17 حادثة منفصلة، وغالباً ما كانوا يركضون فعلياً للنجاة بحياتهم. وقامت الأطراف المتحاربة بأعمال قتالية بالقرب من المرافق الطبية، مما عرّض المرضى ومقدمي الرعاية والموظفين الطبيين للخطر.

وفي الوقت نفسه، فإن إصابات الصحة البدنية والنفسية للفلسطينيين هائلة، وتستمر الاحتياجات في الازدياد. وقد أجرت المرافق التي تدعمها منظمة أطباء بلا حدود ما لا يقل عن 27,500 استشارة مرتبطة بالعنف و7500 تدخل جراحي. ويعاني الناس من جروح الحرب بالإضافة إلى الأمراض المزمنة التي تزداد سوءاً إذ لا يستطيعون الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية والأدوية. وقد دفع التهجير القسري الذي تقوم به إسرائيل الناس إلى ظروف معيشية لا تطاق وغير صحية حيث يمكن للأمراض أن تنتشر بسرعة. ونتيجة لذلك، تعالج فرق أطباء بلا حدود أعداداً كبيرة من الأشخاص من أمراض مثل الأمراض الجلدية والتهابات الجهاز التنفسي والإسهال – وكلها من المتوقع أن تزداد مع انخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء. ويفتقر الأطفال إلى التطعيمات الضرورية، ما يجعلهم عرضة لأمراض مثل الحصبة وشلل الأطفال. وقد لاحظت منظمة أطباء بلا حدود زيادة في عدد حالات سوء التغذية، ومع ذلك فمن المستحيل إجراء فحص كامل لسوء التغذية في غزة بسبب انعدام الأمن على نطاق واسع وعدم وجود تدابير مناسبة لتخفيف حدة النزاع.

مع تضاؤل خيارات الرعاية الطبية في غزة، زادت إسرائيل من صعوبة إجلاء الناس طبياً. وبين إغلاق معبر رفح في أوائل مايو 2024 وسبتمبر 2024، سمحت السلطات الإسرائيلية فقط بإجلاء 229 مريضاً – أي ما يعادل 1.6 في المئة من أولئك الذين كانوا بحاجة إليه في ذلك الوقت. وهذه قطرة في محيط الاحتياجات.

 الوضع في شمال غزة خطير بشكل خاص في أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة التي تتبع سياسة الأرض المحروقة وأدت إلى إخلاء مناطق واسعة من السكان وقتل ما يقرب من 2000 شخص. ومنذ 6 أكتوبر 2024 حاصرت القوات الإسرائيلية الجزء الشمالي من القطاع، وخاصة مخيم جباليا، مرة أخرى. وخفضت السلطات الإسرائيلية بشكل كبير كمية المساعدات الأساسية المصرح لها بدخول الشمال. وفي أكتوبر 2024، وصلت كمية الإمدادات التي تصل إلى قطاع غزة بأكمله إلى أدنى مستوى لها منذ تصاعد الحرب في أكتوبر 2023: دخل متوسط يومي قدره 37 شاحنة إنسانية في أكتوبر 2024، أي أقل بكثير من العدد الذي كان يبلغ 500 شاحنة إنسانية كانت تدخل قبل 7 أكتوبر 2023.

وقال لوكيير: “لأكثر من عام، شهد طاقمنا الطبي في غزة حملة لا هوادة فيها من قبل القوات الإسرائيلية تميزت بالدمار الشامل والتخريب والتجريد من الإنسانية. وتعرّض الفلسطينيون للقتل في منازلهم وفي أسرة المستشفيات. وتم تهجيرهم قسراً مراراً وتكراراً إلى مناطق غير آمنة أو غير صحية. ولا يستطيع الناس إيجاد حتى أبسط الضروريات مثل الطعام والمياه النظيفة والأدوية والصابون وسط حصار عقابي”.

تدعو منظمة أطباء بلا حدود الدول، ولا سيما أقرب حلفاء إسرائيل، إلى إنهاء دعمها غير المشروط لإسرائيل والوفاء بالتزامها بمنع الإبادة الجماعية في غزة. وقبل ما يقرب من عام، في 26 يناير، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بتنفيذ “تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية المطلوبة بشكل عاجل والمساعدات الإنسانية لمعالجة الظروف المعيشية المتردية التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة”. ولم تتخذ إسرائيل أي إجراء ذي مغزى للامتثال لأمر المحكمة. وبدلاً من ذلك، تواصل السلطات الإسرائيلية منع منظمة أطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات الإنسانية من تقديم المساعدة المنقذة للحياة للأشخاص المحاصرين تحت الحصار والقصف.

يجب على الدول تسخير نفوذها للتخفيف من معاناة السكان وتمكين توسيع نطاق المساعدات الإنسانية في أنحاء قطاع غزة. وباعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال، فإن السلطات الإسرائيلية مسؤولة عن ضمان التسليم السريع والآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية على المستوى الكافي لتلبية احتياجات الناس. وبدلاً من ذلك، جعل الحصار الإسرائيلي والعرقلة المستمرة للمساعدات من المستحيل على الناس في غزة الوصول إلى السلع الأساسية، بما في ذلك الوقود والغذاء والماء والأدوية. وفي الوقت نفسه، قررت إسرائيل فرض حظر فعال على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي أكبر مزود للمساعدات والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الحيوية للفلسطينيين.

تكرر منظمة أطباء بلا حدود دعوتها إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار. يجب أن يتوقف التدمير الكامل للحياة الفلسطينية في غزة. كما تدعو منظمة أطباء بلا حدود إلى الوصول الفوري والآمن إلى شمال غزة للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية إلى المستشفيات. وبينما تواصل منظمة أطباء بلا حدود تقديم الرعاية المنقذة للحياة في وسط وجنوب غزة، فإننا ندعو إسرائيل إلى إنهاء حصارها على الأرض وفتح الحدود البرية الحيوية، بما في ذلك معبر رفح، لتمكين تعزيز نطاق المساعدات الإنسانية والطبية بشكل كبير.

ويشير تقرير أطباء بلا حدود إلى أنه حتى لو انتهت العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة اليوم، فإن آثارها طويلة الأجل ستكون غير مسبوقة، بالنظر إلى حجم الدمار والتحديات الاستثنائية المتمثلة في توفير الرعاية الصحية في جميع أنحاء القطاع. يتعرض عدد هائل من جرحى الحرب لخطر العدوى والبتر والإعاقة الدائمة، وسيحتاج العديد منهم إلى سنوات من الرعاية التأهيلية. إن الخسائر الجسدية المتراكمة والصدمات النفسية الناجمة عن العنف الشديد، وفقدان أفراد الأسرة والمنازل، والنزوح القسري المتكرر، والظروف المعيشية اللاإنسانية سيبقى أثرها على مدى أجيال.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print