أطباء بلا حدود تحث على حماية المدنيين والطواقم الطبية في خضم القصف الإسرائيلي في لبنان

أطباء بلا حدود تحث على حماية المدنيين والطواقم الطبية في خضم القصف الإسرائيلي في لبنان

بيروت، لبنان 10 أكتوبر/تشرين الأول – مع اشتداد الهجمات الإسرائيلية في لبنان، تُجبر مرافق الرعاية الصحية في المناطق الأشد تضررًا من الغارات الجوية على الإغلاق، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة على المدنيين وإمكانية حصولهم على الرعاية الصحية.

تعمل فرق أطباء بلا حدود بلا كلل لضمان استمرار الرعاية في مرافقنا الحالية، بالإضافة إلى توسيع نطاق أنشطتنا لتلبية الاحتياجات النابعة من النزاع المستمر.  إلا أننا وبسبب الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة اضطررنا إلى تعليق بعض الأنشطة في المناطق الأشد تضررًا. نحن مستمرون في تكييف أنشطتنا كي نزوّد الناس بالرعاية الصحية التي تشتد الحاجة إليها.

تحثّ أطباء بلا حدود جميع الأطراف المتحاربة على عدم التعرّض للمدنيين والمرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي في لبنان لضمان قدرة خدمات الرعاية الصحية الحيوية على تلبية احتياجات الناس الطبية العاجلة بشكل كافٍ.

نظراً لشدة العنف، والأضرار التي لحقت بالطرقات، وعدم ضمان السلامة، فإننا غير قادرين حاليًا على الوصول إلى جميع المناطق المتضررة في لبنان على الرغم من تزايد الاحتياجات الطبية .والإنسانية
فرانسوا زامباريني، منسق الطوارئ مع أطباء بلا حدود في لبنان

اضطرت أطباء بلا حدود في الأسبوع الماضي إلى إغلاق عيادتها بالكامل في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في ضاحية بيروت الجنوبية. كما اضطررنا إلى وقف أنشطتنا مؤقتًا في بعلبك-الهرمل، شمال شرق لبنان، وهاتان المنطقتان متضررتان بشدة من القصف.

ويضيف زامباريني، “أعدنا افتتاح عيادتنا في الهرمل بشكل جزئي هذا الأسبوع لضمان حصول المرضى على أدويتهم وتزويدهم بمخزون من شهرين إلى ثلاثة أشهر من الأدوية الأساسية، بناء على شدة حالاتهم وعلى المخاطر الطبية”.

تشتد احتياجات المرضى في هذه المناطق، وهم يعانون من أجل الحصول على الرعاية الصحية التي هم في أمس الحاجة إليها. وقد أدى إغلاق المرافق الطبية إلى تركهم من دون الخدمات الأساسية التي يحتاجونها، وتحديدًا أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة.

لا تزال فرق أطباء بلا حدود كذلك غير قادرة على العمل كما يجب في جنوب لبنان بسبب انعدام ضمانات الأمان للطواقم الطبية.

ويشرح زامباريني، “قُصف في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول أحد المستشفيات التي خططنا لدعمها وتبرعنا لها بالأدوية ومجموعات الرعاية بالإصابات البالغة، في النبطية التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن خطوط الجبهة النشطة”.

أُجبر فريق طبي متنقل تابع لأطباء بلا حدود على وقف أنشطته، وهو كان يدعم بفاعلية مراكز الرعاية الصحية العامة في النبطية ومناطق أخرى قريبة من الحدود اللبنانية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023. لم يعد الفريق قادرًا على الوصول إلى المناطق القريبة من الحدود كما كان يفعل، ويقتصر عمله حاليًا على العمل وصولًا إلى صيدا فقط، والتي تبعد قرابة 50 كيلومترًا شمال الحدود الجنوبية، حيث الاحتياجات في ذروتها.

وفي الأسبوعين الماضيين، تسببت الغارات الإسرائيلية بمقتل ما لا يقل عن خمسين مسعفًا. وبذلك يرتفع العدد الإجمالي للقتلى من العاملين في مجال الرعاية الصحية منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي إلى أكثر من مئة شخص، وفقًا لما أوردته وزارة الصحة العامة اللبنانية[1]. كذلك أدى القصف الإسرائيلي العنيف إلى تعطيل الوصول إلى الرعاية الطبية في جميع أنحاء لبنان وبشكل كبير. وحتى الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، أُغلقت ستة مستشفيات و40 مركزًا للرعاية الصحية الأساسية لأن شدة القتال جعلت العمل فيها من المستحيل بسبب عدم وجود ضمانات للسلامة، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية[2].

يفاقم النزاع المسلح أزمة إنسانية مستمرة؛ ما يزيد من استشراء الاحتياجات القائمة. وكان نظام الرعاية الصحية في لبنان مثقلًا بالأعباء أساسًا بفعل الأزمة الاقتصادية في البلاد، والتي تسببت بهجرة الكثير من الكوادر الطبية وباستنزاف قدرات المرافق الطبية ومواردها. تواجه المراكز الصحية المحلية، والتي تعمل بأقصى طاقتها، ضغوطًا متزايدة فيما تحاول تلبية الاحتياجات الطبية المتزايدة للسكان النازحين.

يفوق حجم النزوح في لبنان بشكل كبير قدرة البلاد على توفير الملاجئ المناسبة، حيث بلغ عدد النازحين أكثر من مليون شخص، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين[3]. وغالبية الملاجئ التي يحتمي بها الناس في حالة يرثى لها. واستجابة لذلك، نشرت أطباء بلا حدود 12 فريقًا طبيًا متنقلًا في مختلف المحافظات اللبنانية، ومنها بيروت وجبل لبنان وصيدا وطرابلس والبقاع وعكار. توفر هذه الفرق الإسعافات النفسية الأولية والاستشارات الطبية العامة والدعم النفسي، بالإضافة إلى التبرع بالفرشات ومستلزمات النظافة الشخصية والوجبات الساخنة. إلا أن احتياجات الناس تفوق وبشدة ما يمكننا تغطيته.

[1] Health workers in Lebanon describe deadly Israeli attacks on colleagues and fear more | AP News

[2] Today’s top news: Lebanon, Occupied Palestinian Territory and Israel, Syria, Haiti, Ukraine, Eastern Africa

[3]  المفوض السامي غراندي يدعو إلى توفير الدعم الإنساني العاجل للبنان ووقف إراقة الدماء

علينا أن نضمن استمرار الرعاية للمحتاجين. نحث جميع الأطراف على احترام القانون الدولي الإنساني. لا يجوز استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية والمرافق الطبية والكوادر الطبية. يجب ضمان سلامتهم.
فرانسوا زامباريني، منسق الطوارئ مع أطباء بلا حدود في لبنان

استجابة أطباء بلا حدود للأزمة الإنسانية في لبنان

استجابةً للتصعيد المستمر للنزاع والقصف الإسرائيلي المكثف في لبنان، نشرت أطباء بلا حدود 12 فريقًا طبيًا متنقلًا في مختلف المحافظات اللبنانية، ومنها بيروت وجبل لبنان وصيدا وطرابلس والبقاع وعكار. توفر هذه الفرق الإسعافات النفسية الأولية والاستشارات الطبية العامة والأدوية والدعم النفسي. توزع أطباء بلا حدود كذلك المواد الأساسية مثل البطانيات والفرشات ومستلزمات النظافة الشخصية، بالإضافة إلى توفير المياه بالشاحنات للمدارس والملاجئ التي يتجمع فيها النازحون. بالإضافة إلى ذلك، نوفّر الوجبات الساخنة ومياه الشرب لمئات العائلات النازحة. تبرعت أطباء بلا حدود كذلك بالوقود ومستلزمات الإصابات البالغة لعدة مستشفيات، وخزنت عشرة أطنان من الإمدادات الطبية ودربت أكثر من مئة عامل في مجال الرعاية الصحية على رعاية الإصابات البالغة وإدارة الإصابات الجماعية في جميع أنحاء البلاد.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print

دفع القوات الإسرائيلية الناس من شمال غزة إلى جنوبها لن يتسبب إلا بتفاقم الكارثة الإنسانية

دفع القوات الإسرائيلية الناس من شمال غزة إلى جنوبها لن يتسبب إلا بتفاقم الكارثة الإنسانية

تعمل أوامر الإخلاء الإسرائيلية لأجزاء من شمال غزة، والتي صدرت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، على الدفع بعشرات الآلاف من السكان إلى الإجلاء الفوري جنوبًا مع استهداف المنطقة بالغارات الجوية والهجوم البري. ففي هذا النزوح الجماعي القسري الأخير، حُثّ سكان بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا على الانتقال إلى ما يسمى بالمنطقة الإنسانية المكتظة بين المواصي ودير البلح، حيث يعيش مليون شخص في ظروف غير إنسانية. كما لا تزال المنطقة غير آمنة للمدنيين وعمال الإغاثة، حيث تواصل القوات الإسرائيلية قصف المنطقة بشكل متكرر.

تتسبب هذه الإخلاءات الجماعية القسرية للمنازل وقصف الأحياء السكنية من قبل القوات الإسرائيلية بتحويل شمال غزة إلى أرض قاحلة غير صالحة للعيش، ما يؤدي فعليًا إلى إفراغ شمال القطاع بأكمله من الحياة الفلسطينية. وما يزيد الوضع تأزمًا هو منع دخول أي إمدادات إنسانية إلى المنطقة منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول.

تدعو أطباء بلا حدود القوات الإسرائيلية أن توقف أوامر الإخلاء التي تتسبب في التهجير القسري للأشخاص، وأن تضمن حماية المدنيين. كما يجب عليها أن تسمح بدخول الإمدادات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى الشمال بأقصى سرعة.

يقول محمود، وهو أحد الحراس العاملين مع أطباء بلا حدود، والذي غادر جباليا ليلًا ليلتجئ إلى بيت الضيافة التابع للمنظمة في مدينة غزة، “أُخبرت فجأة بأنه علينا الانتقال من الشمال. غادرنا منزلنا في حالة من اليأس، تحت وابل القنابل والصواريخ والقذائف المدفعية. كان الأمر صعبًا للغاية. أفضّل الموت على النزوح إلى الجنوب، فبيتي هنا ولا أريد أن أغادر”.

دعت القوات الإسرائيلية كذلك إلى إخلاء المستشفيات الرئيسية الثلاثة في شمال غزة، وهي مستشفيات الإندونيسي وكمال عدوان والعودة. تعمل هذه المستشفيات بالحد الأدنى من قدرتها وفيها 317 مريضًا قيد العلاج، ومنهم 80 شخصًا في العناية المركزة وغير قادرين على التنقل، وفقًا لوزارة الصحة. يجب حماية هذه المرافق الطبية الثلاثة بأي ثمن، إلى جانب المرافق التي لا تزال تعمل بشكل جزئي في جميع أنحاء القطاع.

استقبلت عيادة أطباء بلا حدود في مدينة غزة 255 مريضًا يومي الأحد والاثنين فقط، إذ تتقلص يومًا بعد يوم خيارات حصول الناس على الرعاية الطبية. والوصول إلى المرافق الصحية القليلة الموجودة أمر مستحيل على بعض الناس؛ وقد تلقت فرقنا تقارير عن جرحى توفوا لعدم قدرتهم على الحصول على الرعاية الطبية.

ومن بين الذين يواجهون أوامر الإخلاء في الشمال سبعة من أفراد طاقم أطباء بلا حدود الذين تمكنوا من العثور على مأوى في مدينة غزة. ولا يزال خمسة آخرون عالقين في جباليا، حيث تشن القوات الإسرائيلية هجمات على الأرض.

وفي هذا الصدد، تقول منسقة مشاريع أطباء بلا حدود في غزة، سارة فويلستيكي، “تتسبب الخطوة الأخيرة والمتمثلة بالدفع القسري والعنيف لآلاف الأشخاص من شمال غزة إلى الجنوب، بتحويل الشمال إلى صحراء لا حياة فيها، بينما تزيد من تفاقم الوضع في الجنوب، حيث يُحاصر أكثر من مليون شخص في رقعة صغيرة من قطاع غزة ويعيشون في ظروف يُرثى لها”.

وتضيف، “تكاد أن تنعدم إمكانية الحصول على المياه والرعاية الصحية والأمان، ومن المستحيل تخيّل إقحام المزيد من الناس في هذه المساحة. يعيش الناس تحت وطأة نزوح لا متناه وقصف لا هوادة فيه على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية. لقد طفح الكيل، فليتوقف هذا فورًا”.

وفي حين أن السلطات الإسرائيلية أعلنت مؤخرًا عن توسيع ضئيل للمنطقة الإنسانية المزعومة، إلا أنها لا تزال تحت وطأة أوامر الإخلاء وهي غير آمنة بسبب القصف الإسرائيلي المنتظم. ويعاني الكثير من الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة من أمراض جلدية والتهابات في الجهاز التنفسي بسبب الظروف القاسية. ويزداد القلق مع اقتراب فصل الشتاء ودرجات الحرارة الباردة التي سيتعرض لها الناس.

على القوات الإسرائيلية وقف أوامر الإخلاء في شمال غزة على وجه السرعة. ويجب أن يتوقف الآن قتل الناس بلا هوادة في غزة، وأن يُنفّذ وقف فوري ومستدام لإطلاق النار.

محمود، زميلنا في أطباء بلا حدود، يصف لنا كيف غادر جباليا ليلاً بحثًا عن ملجأ
Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print

على إسرائيل إنهاء حربها الشاملة على غزة وعلى حلفائها التوقف عن تمكينها

على إسرائيل إنهاء حربها الشاملة على غزة وعلى حلفائها التوقف عن تمكينها

القدس، 2 أكتوبر/تشرين الأول – طوال قرابة عام بأكمله إلى الآن، ترتكب إسرائيل مجازر شاملة فيها في قطاع غزة بفلسطين. فمنذ هجمات حماس غير المسبوقة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 1,200 شخص واحتجاز نحو 250 رهينة، شنّت القوات الإسرائيلية حربًا شاملة على سكان قطاع غزة، فقتلت أكثر من 41,500 شخص[1]، وجرحت أكثر من 96 ألف شخص. نزح السكان مرارًا وتكرارًا وهُجِّروا إلى مناطق متضائلة المساحة تحت القصف والظروف منعدمة الإنسانية.

على مدار عام، فشلت إسرائيل وحماس وحلفاؤهما بشكل كارثي في التوصل إلى اتفاق على وقف مستدام لإطلاق النار في غزة، فيما يتزايد الآن خطر اندلاع صراع إقليمي شامل. على إسرائيل أن توقف فورًا عن قتل المدنيين العشوائي في غزة، وأن تسارع في تسهيل إيصال المساعدات لتخفيف المعاناة داخل القطاع، بما في ذلك إعادة فتح المعابر الحدودية الحيوية، امتثالًا للتدابير التي أمرت بها محكمة العدل الدولية.

تعالج الطواقم الطبية التابعة لأطباء بلا حدود المرضى يوميًا من المصابين بجراح ناجمة عن القصف الشديد. إذ يعاني الجرحى من حروق بالغة وعظام مهشّمة وقد تقطعت أوصالهم. ومنذ بداية الحرب، عالجت فرق أطباء بلا حدود أكثر من 27,500 مريض عانوا من إصابات ناجمة عن العنف، حيث كانت أكثر من 80 في المئة من الإصابات مرتبطة بالقصف.

[1] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: https://www.ochaopt.org/ar/content/humanitarian-situation-update-224-gaza-strip

تسبب القصف الإسرائيلي للمناطق المكتظة بالسكان مرارًا وتكرارًا بإصابات على نطاق مهول. فقد أُجبرت فرقنا على إجراء عمليات جراحية من دون تخدير، وشاهدوا أطفالًا يموتون على أرضيات المستشفيات بسبب نقص الموارد، حتى أنهم عالجوا زملاءهم وأفراد عائلاتهم. وفي الوقت نفسه، فككت القوات الإسرائيلية نظام الرعاية الصحية في غزة بشكل ممنهج.
د. آمبر عليان، مديرة البرنامج الطبي لأطباء بلا حدود

كانت فرق أطباء بلا حدود أساسًا تعالج آثار 17 عام من الحصار الإسرائيلي والهجمات المتكررة على السكان في غزة، بما في ذلك علاج المرضى الذين يعانون من إصابات طويلة الأمد وأمراض الصحة النفسية والحروق الشديدة التي ألمّت بهم قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ولكن منذ ذلك التاريخ، ومع الزيادة الشديدة في الاحتياجات نتيجة لدكّ إسرائيل للقطاع، فقد تلاشت إمكانية الحصول على الرعاية الصحية.

واليوم، لا يعمل سوى 17 مستشفى فقط وبشكل جزئي من أصل 36 مستشفى[1] بفعل التفكيك الممنهج للنظام الصحي من قبل القوات الإسرائيلية. وقد شنّت الأطراف المتحاربة أعمالًا عدائية بالقرب من المرافق الطبية، ما هدد حياة المرضى ومرافقيهم والطاقم الطبي.

ففي العام الماضي، حاصرت القوات الإسرائيلية المرافق بشكل روتيني، وأصدرت أوامر الإخلاء في ظروف بالغة الخطورة للمرضى ومقدمي الرعاية، وأطلقت النار على المرافق وعلى المرضى والطاقم الطبي، الذين قُتل الكثير منهم، كما داهمت المرافق وشرعت في اعتقال الطاقم الطبي بشكل تعسفي. قُتل ستة من زملائنا في أطباء بلا حدود. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، اضطرت طواقم أطباء بلا حدود ومرضاها إلى مغادرة 14 منشأة صحية مختلفة بسبب الحوادث الخطيرة والقتال الدائر. وفي كل مرة يُخلى فيها مرفق طبي، يفقد آلاف الأشخاص القدرة على الوصول إلى الرعاية الطبية المنقذة للحياة. وسيحمل هذا عواقبَ على صحة الناس، ليس فقط على المدى القريب، ولكن في الأسابيع والأشهر القادمة.

يتفاقم غياب الرعاية الصحية جرّاء ندرة الإمدادات الإنسانية الكافية في غزة. وتفرض السلطات الإسرائيلية بصورة متكررة معايير غير واضحة ولا يمكن التنبؤ بها للسماح بدخول الإمدادات. وبمجرد دخول الإمدادات إلى قطاع غزة، فإنها غالبًا ما لا تصل إلى وجهتها بسبب غياب الطرق الآمنة والمتاحة، وبفعل القتال المستمر، ونهب المواد الغذائية والإمدادات الأساسية.

وتضيف د. عليان، “مع ازدياد الاحتياجات الطبية في القطاع، لا تزال قدرتنا على الاستجابة محدودة، فلا يمكننا إدخال ما يكفي من الإمدادات الإنسانية والطبية إلى غزة. وليست المستشفيات الميدانية التي أنشأناها كملاذ أخير إلا ضمادة لإصلاح الدمار الذي سببته الحرب وانهيار نظام الرعاية الصحية. حتى أن إنشاءها قد أُعيق وأُخِّر عبر تقييد قدرتنا على شراء المواد والمعدات. وفي ظل الوضع الراهن، لا يمكن للمرافق الطبية التي لا تزال تعمل أن تلبي الاحتياجات الهائلة”.

وفيما تقلّص توفر الرعاية الطبية، كذلك تقلصت الخيارات المتاحة أمام الناس للحصول على الرعاية الصحية التي يحتاجونها بشدة في غزة. فقد تسببت أوامر الإخلاء المتكررة بنزوح 90 في المئة من الناس إلى المناطق الآمنة المزعومة، والتي قصفتها إسرائيل مرارًا وتكرارًا. يُطالَب الناس الآن بالبقاء داخل رقعة صغيرة من الأرض تبلغ مساحتها 41 كيلومترًا مربعًا[2]، وتعاني من محدودية المأوى والغذاء والماء. كما يتزايد خطر انتشار الأمراض بسبب الاكتظاظ. فمن أصل مليوني شخص في قطاع غزة، هناك ما لا يقل عن 12 ألف شخص بحاجة ماسة إلى الإجلاء الطبي[3]. يجب على الفور تسهيل الإجلاء الطبي للمحتاجين، وتيسير حق مغادرة القطاع للفلسطينيين الذين يبحثون ببساطة عن الأمان لأنفسهم وعائلاتهم، من دون المساس بحقهم في العودة.

وفيما شهدت الأشهر الاثنا عشر الماضية أعمالًا مدمرة، إلا أنها وُصمت أيضًا بتقاعس مخزٍ.

[1] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: https://www.ochaopt.org/ar/content/humanitarian-situation-update-221-gaza-strip

[2] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: https://www.ochaopt.org/ar/content/humanitarian-situation-update-209-gaza-strip

[3] منظمة الصحة العالمية: https://app.powerbi.com/view?r=eyJrIjoiODAxNTYzMDYtMjQ3YS00OTMzLTkxMWQtOTU1NWEwMzE5NTMwIiwidCI6ImY2MTBjMGI3LWJkMjQtNGIzOS04MTBiLTNkYzI4MGFmYjU5MCIsImMiOjh9

استمر حلفاء إسرائيل على مدار عام كامل بتقديم دعمهم العسكري لإسرائيل، حيث يُقتل الأطفال بشكل جماعي، وتطلق الدبابات النار على الملاجئ في مناطق عدم الاشتباك، وتقصف الطائرات المقاتلة المناطق الإنسانية المزعومة. وقد ترافق ذلك مع سردية علنية متّسقة تجرد الناس في غزة من إنسانيتهم وتفشل في التمييز بين الأهداف العسكرية وأرواح المدنيين. يمثل الوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار السبيل الوحيد لوقف القتل.
كريس لوكيير، الأمين العام لأطباء بلا حدود

مُنحت الولاءات السياسية الأولوية على الحياة البشرية، مرارًا وتكرارًا.  فبينما يتحدث حلفاء إسرائيل علنًا عن أهمية وقف إطلاق النار وضرورة تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، فهم يواصلون تزويد إسرائيل بالسلاح. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة – على وجه الخصوص – قد تبنت مؤخرًا دعوات وقف إطلاق النار، إلا أنها عملت كثيرًا على التعتيم على جهود وقف إطلاق النار وعرقلتها وتقويضها من خلال دورها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وفي الوقت الحالي، تؤجج الحرب في غزة التوترات الإقليمية التي تصل إلى مستويات كارثية. فقد تصاعدت الهجمات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والآن في لبنان، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرة ألمّت بالمدنيين بالفعل.

مطالب أطباء بلا حدود:

  • يجب على الفور تنفيذ وقف مستدام لإطلاق النار.
  • يجب على الفور وقف قتل المدنيين الجماعي.
  • يجب وقف تدمير نظام الرعاية الصحية والبنية التحتية المدنية.
  • يجب إنهاء الحصار المفروض على غزة.
  • يجب على إسرائيل أن تفتح الحدود البرية الحيوية، بما في ذلك معبر رفح، لضمان وصول المساعدات الإنسانية والطبية على نطاق واسع إلى المحتاجين على وجه السرعة.
  • يجب على إسرائيل ضمان الإجلاء الطبي لمن يحتاجون إلى رعاية طبية متخصصة، بما في ذلك مرافقوهم، وإفساح المجال لمن يرغبون في البحث عن الأمان في الخارج، مع ضمان عودة الجميع إلى غزة بشكل آمن وطوعي وبكرامة.
  • يجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يتخذ إجراءات لضمان وقف إطلاق النار باعتباره الضامن للسلم والأمن الدوليين وإنهاء تهاونه مع التدمير المستمر لقطاع غزة.
Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print

لبنان: القصف الإسرائيلي يتسبب بنزوح غير مسبوق للسكان وباحتياجات إنسانية طارئة

لبنان: القصف الإسرائيلي يتسبب بنزوح غير مسبوق للسكان وباحتياجات إنسانية طارئة

بيروت، 4 أكتوبر/تشرين الأول – يشهد لبنان التصعيد الأكبر في النزاع منذ حرب لبنان عام 2006، حيث قُتل قرابة 1300 شخص على مدى 16 يومًا، بين 16 سبتمبر/أيلول والأول من أكتوبر/تشرين الأول، وفقًا لوزارة الصحة العامة في لبنان. وقد أجبر القصف الإسرائيلي المكثف أكثر من مليون شخص على الفرار من منازلهم، بحسب السلطات المحلية. وسّعنا في أطباء بلا حدود نطاق استجابتنا الطارئة وحشدنا فرقًا في جميع أنحاء البلاد لتقديم الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي العاجل للنازحين.

في الساعات الأولى من يوم الاثنين 23 سبتمبر/أيلول، شنّ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة النطاق استهدفت عشرات البلدات في مختلف المحافظات اللبنانية، بما في ذلك جنوب لبنان والنبطية وبعلبك-الهرمل وضاحية بيروت الجنوبية المكتظة بالسكان. وأدى استمرار القصف في 27 سبتمبر/أيلول إلى نزوح جماعي من هذه المناطق، إضافة إلى أجزاء من جبل لبنان، حيث بحث السكان عن الأمان في أماكن أخرى.

حتى 29 سبتمبر/أيلول، قدرت السلطات اللبنانية نزوح أكثر من مليون شخص، ومعظمهم من جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية المكتظة بالسكان. وقد أجبر القصف المكثف الكثير من الأشخاص على الفرار عدة مرات منذ تصاعد العنف في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وغالبًا من دون وقت كافٍ لجمع الأغراض الضرورية.

هناك حاليًا 875 ملجأً في جميع أنحاء لبنان، وأكثر من 70 في المئة قد امتلأ، وفقًا للسلطات المحلية. يحتاج معظم النازحين إلى المساعدة بشكل عاجل، بعد أن أجلوا من دون الاحتياجات الأساسية، في حين أن المجتمعات والملاجئ التي تستضيفهم بحاجة ماسة إلى الدعم.

وفي هذا الصدد، تقول المنسقة الطبية لأطباء بلا حدود في لبنان، د. لونا حمّاد، “تجلي العائلات من منازلها بحثًا عن الأمان. والكثير منهم يبحثون عن مأوى في ملاجئ غير مهيأة ومكتظة. والنازحون هم من الفئات الأشد حاجة – هم أطفال ونساء ومسنّون وأشخاص من ذوي الاحتياجات البدنية الخاصة، ويعيشون في ظروفٍ مزرية بما في ذلك محدودية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي وخدمات الرعاية الصحية الأساسية. الاحتياجات مهولة”.

استجابة أطباء بلا حدود: عيادات متنقلة وإغاثة أساسية ودعم نفسي

واستجابةً للوضع المأساوي، وسعنا في أطباء بلا حدود نطاق استجابتنا الطارئة وأرسلنا مختلف الفرق الطبية المتنقلة – بما في ذلك الأطباء والممرضات والاختصاصيين النفسيين والمرشدين ومسؤولو تعزيز الصحة – إلى المدارس وغيرها من الملاجئ في جميع أنحاء البلاد. قدمت هذه الفرق حتى الآن أكثر من 1,780 استشارة طبية عامة خلال الأسبوع الماضي وتواصل تقديم المساعدة للأفراد والعائلات النازحين، وهناك المزيد من الفرق في طريقها للوصول إلى المناطق التي تحتاج إلى الدعم.

بالإضافة إلى ذلك، تتبرع أطباء بلا حدود بالمواد الأساسية مثل الفرشات والبطانيات ومستلزمات النظافة الصحية للعائلات النازحة في مواقع تشمل صيدا وطرابلس وعدة مواقع في بيروت وجبل لبنان. نوزع كذلك وجبات الطعام ومياه الشرب، كما نوصل كميات كبيرة من مياه الغسيل إلى الملاجئ في بيروت وجبل لبنان لضمان معايير النظافة الأساسية في المباني غير المجهزة غالبًا لإيواء الناس. وحتى الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، بـ6523 مجموعة من مستلزمات النظافة الصحية، و16,118 لترًا من مياه الشرب، و643 فرشة، و699 بطانية، و7 آلاف لتر من الوقود للمستشفيات، و713 ألف لتر من المياه للملاجئ في جميع أنحاء البلاد.

تقول عليا (غُيّر الاسم لحماية الخصوصية)، ” أخبرني أطفالي إنهم يفضلون الموت تحت القصف على العيش في هذه الظروف. هذا وكانت المدرسة تهتز طوال الليل. يُعتبر هذا المكان مأمنًا لنا في الوقت الحالي، ولكن ماذا لو قررت إسرائيل استهداف المدارس؟”

وبهدف دعم مرافق الرعاية الصحية، تبرعت أطباء بلا حدود أكثر من عشر أطنان من الإمدادات الطبية التي كانت قد خزنتها في مستشفياتٍ في جميع أنحاء البلاد منذ بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. كما تواظب المنظمة على إرسال وحدة طبية متنقلة لتقديم الرعاية الصحية الأساسية والإسعافات النفسية الأولية وتعزيز صحة المجتمعات النازحة والمتضررة في جنوب لبنان. كما أجرت فرقنا أيضًا تدريبًا على الاستعداد للإصابات الجماعية لـ117 فردًا من طواقم الرعاية الصحية في المستشفيات في جميع أنحاء البلاد.

المجتمعات النازحة تواجه الصدمة

في بعلبك-الهرمل، حيث تدير أطباء بلا حدود مشروعًا منذ أكثر من 13 عامًا مع عيادتي رعاية صحية أساسية، أدى التصعيد الأخير في أعمال العنف إلى إغلاق إحدى العيادات بسبب القصف العنيف، بينما استمرت العيادة في عرسال بالعمل بقدرة محدودة. وعلى الرغم من الظروف الصعبة، وفرت فرقنا الأدوية الأساسية لمرضى الأمراض المزمنة بهدف توفير مخزون يكفي لمدة شهرين. ولا يزال الكثير من أفراد طاقمنا في المحافظة، شأنهم شأن الآلاف في جميع أنحاء البلاد، ملتجئين فيما تقع الغارات الجوية من حولهم. كذلك أُغلقت عيادتنا في برج البراجنة جنوب بيروت بسبب القصف على المنطقة.

أما الفرق الطبية المتنقلة التابعة لأطباء بلا حدود والمتواجدة في الميدان في بيروت وجبل لبنان وطرابلس، فهي تلتقي بمرضى متعايشين مع أمراض مزمنة أجلوا من منازلهم من دون أدويتهم ولم يتمكنوا من الحصول على العلاج لأيام.

وتضيف د. حمّاد، “كثير من النازحين هم من الأطفال الذين يعانون من الصدمة بفعل العنف، والخوف من القصف، وفقدان منازلهم”.

تشهد فرق الصحة النفسية التابعة لأطباء بلا حدود احتياجات هائلة في مجال الدعم النفسي والنفسي الاجتماعي. يقدم اختصاصيو الصحة النفسية والمرشدون التابعون للمنظمة الإسعافات النفسية الأولية للأشخاص الذين نزحوا، بينما تتلقى خطوطنا للمساعدة النفسية أكثر من مئة مكالمة يوميًا من أفراد يعانون من تحديات الصحة النفسية المتزايدة في ظل الخوف والنزوح.

حماية المدنيين والعاملين في الرعاية الصحية

تعرب أطباء بلا حدود عن بالغ قلقها إزاء حملة القصف المستمرة التي يستهدف معظمها المناطق الحضرية المكتظة بالسكان. نحث على حماية المدنيين والعاملين في مجال الرعاية الصحية والمرافق الطبية وسيارات الإسعاف. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة العامة، فقد قُتل أكثر من 50 من العاملين في المجال الصحي في الاشتباكات منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي. كما أن الكثير من موظفي منظمة أطباء بلا حدود في لبنان هم أنفسهم نازحون، وبعضهم فقدوا أحباءهم أو أصيب أفراد من عائلاتهم.

تقول جابين، وهي مواطنة أجلت من جبشيت في جنوب لبنان وهي ملتجئة الآن في مبنى مهجور بالقرب من وسط بيروت، “لقد خاطرنا بحياتنا للمغادرة”. جابين هي واحدة من بين أكثر من 3,500 شخص يحتمون حاليًا في هذه المباني، حيث يتشارك ما يصل إلى 30 شخصًا بحمام واحد، ولا يزال الكثيرون ينتظرون تخصيص غرف لهم. تمثل الكثير من الملاجئ التي يقيم فيها الناس مبانٍ مهجورة أو مدارس مؤقتة تفتقر إلى وسائل الراحة الأساسية، وبعضها من دون أبواب أو نوافذ لحماية الأشخاص الموجودين بداخلها من العوامل الجوية.

فرضت الأزمة الحالية ضغوطًا هائلة على قدرات لبنان في مجال الرعاية الصحية والاستجابة الإنسانية التي كانت قد استنزفتها أساسًا سنوات من الأزمة الاقتصادية.

ومع استمرار وجود الكثير من الأشخاص في الشوارع وفي المناطق المفتوحة وحتى البحث عن ملاذ على الشاطئ في بيروت، تستمر الاحتياجات الإنسانية في التزايد. ومع اقتراب فصل الشتاء، تُعرّض الظروف القاسية هؤلاء الأشخاص لخطر أكبر. لا تزال فرق أطباء بلا حدود في لبنان ملتزمة بتوفير الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي العاجل للمتضررين.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print

حكايات النزوح من لبنان

حكايات النزوح من لبنان

في أعقاب القصف الإسرائيلي الموسّع الذي يعيشه لبنان منذ الأسبوع الماضي، اضطرت مئات آلاف العائلات اللبنانية إلى ترك منازلها والمضي في طريقها بحثًا عن ملاذٍ آمن.

وفي هذا الصدد، تعمل أطباء بلا حدود في مراكز إيواء ومدارس مقدّمةً الدعم للنازحين في جنوب البلاد وفي بيروت ومحيطها. هذا وتعمل فرقنا على نقل المياه بالشاحنات وتقدّم الإسعافات النفسية الأولية والاستشارات الطبية، كما تتبرع بالمواد الأساسية كالفرشات والبطانيات ومياه الشرب ومستلزمات النظافة الصحية.

في ما يلي شهادات حيّة من نازحين في لبنان، ومن بينهم مديرة الإعلام والتواصل الميدانية في أطباء بلا حدود.

صورة لأشخاص يفرون بعد ليلة من القصف الإسرائيلي العنيف على مناطق مكتظة بالسكان في جنوب بيروت.

“عسى أن نعود إلى بيوتنا عمّا قريب، هذا إن تبقّت لنا بيوت لنرجع إليها”

شهادة جُمعت يوم 25 سبتمبر/أيلول من مدرسة في برجا بجبل لبنان.

في بلدة صغيرة من جبل لبنان تُدعى برجا، جلست عليا* في حيرة من أمرها على رصيف الحديقة المتواضعة في المدرسة وكأنّها لا تعرف ماذا تفعل. وكانت أمّ زوجها التي خضعت لعملية جراحية في عينها تبذل قصارى جهدها لتجنب أشعة الشمس القاسية.

اكتظّت المدرسة بالنازحين الذين اتخذوا منها ملجأً كما فعلت عليا. وعلت أصوات الأطفال وهم يلعبون من دون أن تغطي على دويّ الغارات الجوية التي تتساقط على التلال المجاورة وتهزّ المبنى.

تقول عليا، “نحن من بلدة الخيام على الحدود الجنوبية. وقد أُجبرنا على ترك منزلنا منذ قرابة العام عندما بدأت الاشتباكات. والآن نضطر إلى أن نرحل مرة جديدة من المنزل الذي التجأنا إليه. كنا قد بدأنا بالتأقلم مع الأوضاع وسجّلنا أطفالنا في مدرسة قريبة، لكن كل جهودنا ذهبت سدى”.

عملت عليا في مجال التمريض قبل أن تُجبَر على ترك منزلها في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومنذ ذلك الحين، لم تتمكن من العمل، وخسرت العائلة مصدر رزقها.

وفي الربع الأخير من عام 2023، أمضت شهرين في البحث عن منزل آمن لتسكنه مع زوجها وطفليها. وكانوا ينتقلون من بلدة إلى أخرى كل عشرة أيام في بحث يائس عن مكان لتقيم فيه على المدى الطويل. وأخيرًا، عثرت لها زميلتها القديمة على منزل في بلدة كفرتبنيت الجنوبية التي تبعد 20 كيلومترًا عن بلدتها.

ولكن، يوم الاثنين في 23 سبتمبر/أيلول 2024، بدأ قصف إسرائيلي موسّع على جنوب لبنان، وسرعان ما امتد إلى مناطق مختلفة ومكتظة من البلاد. فحزمت عليا بعض أمتعتها في الوقت الضيق الذي أُتيح لها قبل أن تخوض العائلة رحلة نزوح جديدة.

وتشرح، “غادرنا كفرتبنيت قرابة الساعة الواحدة والنصف صباحًا والقصف يحيطنا من كل جانب. وكانت زحمة السيارات لا توصف. توقّفنا في بلدتين لنجد المدارس ممتلئة فيهما، فنمنا في السيارة تلك الليلة. وفي اليوم التالي، أتينا إلى هذه المدرسة ووجدنا فيها غرفة تأوينا. لحسن الحظ، كنت قد تمكّنت من إحضار بطّانيتين معي، إذ لم يتوفّر ما يمكننا النوم عليه”.

يعيش لبنان موجة نزوح بمستوى غير مسبوق يتعدى بأشواط قدرة البلد على إيواء النازحين. وتمثّلت أبرز الاحتياجات التي تحدث عنها الناس في الفرشات والوسائد والبطانيات ومنتجات النظافة الصحية، بالإضافة إلى الرعاية الطبية.

تضيف عليا، “هذا النزوح أصعب بكثير من النزوح الأول. أخبرني أطفالي إنهم يفضلون الموت تحت القصف على العيش في هذه الظروف. هذا وكانت المدرسة تهتز طوال الليل. يُعتبر هذا المكان مأمنًا لنا في الوقت الحالي، ولكن ماذا لو قررت إسرائيل استهداف المدارس؟”.

عندما زارت عليا منزلها في الخيام آخر مرة قبل ثلاثة أشهر، وجدت أضرارًا كبيرة فيه مع تحطم جميع النوافذ، ولكنه على الأقل كان لا يزال قائمًا. والآن، تخشى أن يكون منزلها قد تحوّل إلى أنقاض مع موجات الغارات الإسرائيلية الأخيرة.

فقد أردفت قائلة، “عسى أن نعود إلى بيوتنا يومًا ما، إلى بيوتنا الأولى، هذا إن تبقّت لنا بيوت لنرجع إليها”.

شاحنة أطباء بلا حدود تنقل مجموعات من المواد غير الغذائية للأشخاص الفارين من جنوب بيروت.

كانت الليلة أشبه بفيلم مرعب

شهادة جُمعت يوم 30 سبتمبر/أيلول من منطقة الرملة البيضاء في بيروت

“اسمي حسن* وأنا من محافظة النبطية في جنوب لبنان. كنت أعيش مع زوجتي وأطفالي الثلاثة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

منذ أربعة أيام، قررّنا مغادرة المنزل مع عائلتي خوفًا على سلامتنا. وكانت تلك الليلة أشبه بفيلم مرعب بين هدير الطائرات ودويّ الغارات وغير ذلك الكثير. شعرنا بالأرض تهتز من تحتنا عندما كنا في السيارة.

فانتقلنا إلى حيّ آخر من بيروت في اليومين الأولين ولكن سرعان ما طلب منا المالك إخلاء المنزل.

ها نحن في الرملة البيضاء في بيروت الآن. نحن 20 فردًا من عائلتي، وقد تقطعت بنا السبل على الشاطئ. فجميع الملاجئ والمدارس ممتلئة. إلى أين عسانا نذهب؟ لا يوجد أي مكان يمكننا أن نتوجّه إليه. يبدو أن لا مأمن لنا في أي مكان.

الوضع سيئ إلى درجة تفوق التصوّر. فاحتياجاتنا كثيرة. وعندما غادرنا، لم نأخذ إلا وثائقنا وبعض الملابس. لم نتمكن حتى من إحضار أفرشة ووسائد. وقد نمنا على الكراسي الليلة الماضية، ولم يساعدنا أحد.

كل ما يشغل تفكيري هم الأطفال. فأصغرهم لا يتجاوز عمره العام ونصف العام. كيف يمكنني أن أعتني بعائلتي في هذه الظروف؟”

*غُيّر الاسم لحماية الهوية

تشارك زميلتنا في منظمة أطباء بلا حدود، مريم، شهادتها عن ليلة تميزت بالنزوح والهروب من الغارات الجوية في الضواحي الجنوبية لبيروت.
Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print

أطباء بلا حدود تكثّف استجابتها عقب القصف الإسرائيلي على لبنان

أطباء بلا حدود تكثّف استجابتها عقب القصف الإسرائيلي على لبنان

بيروت 26 سبتمبر/أيلول – تعرب أطباء بلا حدود عن بالغ قلقها إزاء حملة القصف الإسرائيلي في لبنان، والتي يستهدف معظمها المناطق الحضرية المكتظة بالسكان. ندعو إلى الوقف الفوري لتصعيد الأعمال العدائية لمنع المزيد من المعاناة والإصابات والخسائر في الأرواح.

في أعقاب القصف الإسرائيلي الواسع النطاق الذي تعرضت له عدة مناطق في لبنان يوم الاثنين 23 سبتمبر/أيلول، تكثف أطباء بلا حدود استجابتها بشكل تدريجي للاحتياجات الإنسانية المتزايدة من خلال تقديم الرعاية الصحية الأساسية ومواد الإغاثة الضرورية للنازحين.

وفقًا لوحدة إدارة مخاطر الكوارث في لبنان، نزح أكثر من 104 آلاف شخص بسبب التصعيد الأخير المستمر. وفقد كثيرون منازلهم وأحبائهم. وبالإضافة إلى الدعم الطبي، يحتاج الناس إلى الإمدادات الأساسية مثل الفرشات ومنتجات النظافة الصحية.

منذ 23 سبتمبر/أيلول، زارت عيادات متنقلة تابعة لأطباء بلا حدود موقعين التجأ فيهما النازحون في جبل لبنان، حيث نوفر الاستشارات الطبية والنفسية. تبرعنا بمواد أساسية مثل الفرشات والبطانيات ومستلزمات النظافة الصحية للنازحين في ثمانية مواقع في صيدا وطرابلس. هذا ونعمل على التقييم المباشر للاحتياجات من أجل زيادة الدعم.

أعدنا افتتاح عيادتنا في بعلبك-الهرمل لتزويد المرضى بالأدوية التي تشتد الحاجة إليها لعلاج أمراضهم المزمنة. وفي الوقت نفسه، تتلقى خطوطنا الهاتفية المخصصة لدعم الصحة النفسية أكثر من 60 مكالمة يوميًا من أشخاص يعانون من احتياجات متزايدة في مجال الصحة النفسية.

نواصل التنسيق عن كثب مع شركائنا وشبكات المستشفيات، ونقدم الدعم حيثما أمكن، ونستعد لتفعيل المزيد من الموارد مع تطور الوضع.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print

الإعلان السياسي للأمم المتحدة بشأن مقاومة مضادات الميكروبات خطوة أساسية، لكن الأهمية الحاسمة تتمثل بالإجراءات الملموسة من جانب الحكومات

الإعلان السياسي للأمم المتحدة بشأن مقاومة مضادات الميكروبات خطوة أساسية، لكن الأهمية الحاسمة تتمثل بالإجراءات الملموسة من جانب الحكومات

لا تزال مقاومة مضادات الميكروبات سببًا رئيسيًا للوفيات في جميع أنحاء العالم بعد مرور قرابة عشر سنوات على اتفاق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على جعلها أولوية

25 سبتمبر/أيلول 2024 – قبيل انعقاد اجتماع الأمم المتحدة الرفيع المستوى الثاني من نوعه حول مقاومة مضادات الميكروبات* غدًا، والذي سيجمع قادة العالم للاتفاق على الالتزامات لتعزيز الاستجابة العالمية لمقاومة مضادات الميكروبات، دعت أطباء بلا حدود الحكومات إلى اتخاذ إجراءات سريعة وجريئة لترجمة هذا الإعلان السياسي إلى تقدم ملموس في مكافحة مقاومة الأدوية. كان التقدم المحرَز في مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات منذ الإعلان الأول قبل قرابة عشر سنوات غير كافٍ وغير منصف، حيث كانت البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، والسياقات الإنسانية على وجه الخصوص، الأقل جهوزيةً للاستجابة على الرغم من تحملها لأعلى أعباء العدوى المقاومة للأدوية. واستنادًا إلى سنوات من الخبرة في التصدي لمقاومة الأدوية في جميع أنحاء العالم، حثت أطباء بلا حدود الحكومات على البناء على الالتزامات المُتعهد بها واتخاذ سلسة طموحة من خطوات المتابعة لتمكين الأشخاص الأكثر تضررًا من مقاومة مضادات الميكروبات لغاية الوقاية منها واكتشافها والاستجابة لها. ذلك أن مقاومة مضادات الميكروبات سبب رئيسي للوفيات في جميع أنحاء العالم، حيث أسهمت بوفاة 4.95 مليون شخص في عام 2019 وحده، مع تقديرات حديثة تُظهر أن التهديد لا يزال ينمو بمعدلات مقلقة، ومن المحتمل أن يساهم في وفاة 8.2 مليون شخص سنويًا بحلول عام 2050.

نشهد معدلات مهولة من العدوى المقاومة للأدوية في الكثير من الأماكن منخفضة الموارد والبيئات الإنسانية التي نعمل فيها، ويُعزى ذلك إجمالًا إلى أن العاملين في مجال الرعاية الصحية ليس لديهم ما يحتاجون للوقاية من مقاومة مضادات الميكروبات واكتشافها والاستجابة لها. يمثل الإعلان السياسي للأمم المتحدة بشأن مقاومة مضادات الميكروبات خطوة مُرحّبًا بها نحو تعزيز الاستجابة العالمية لمقاومة مضادات الميكروبات وتعبّر عن تطلعات مهمة نحو الإنصاف والتضامن العالمي. ولكن نظرًا إلى ضخامة التحدي الذي تمثله مقاومة مضادات الميكروبات، وقلة البلدان الأشد تضررًا التي تمكنت من تمويل خطط عمل وطنية وتنفيذها، كان على نص الإعلان أن يكون أكثر تحديدًا وطموحًا. يجب ألا يظل الإعلان الآن مجرد حبر على ورق: فعلى الحكومات ألا تكتفي بتفعيل الالتزامات التي قطعتها على نفسها وأن تكون مسؤولة عنها، بل يجب عليها أيضًا أن تبني عليها وأن تنقحها لضمان عدم إهمال الأماكن منخفضة الموارد والبيئات الإنسانية.
الرئيس الدولي لأطباء بلا حدود، د. كريستوس كريستو

يعاني الناس في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل من أعلى معدلات مقاومة مضادات الميكروبات والأمراض المعدية على مستوى العالم، لكنهم الأقل حظًا في الحصول على الرعاية الصحية، بما في ذلك الأدوية واللقاحات والتشخيصات التي يحتاجون إليها. وفي البيئات الإنسانية، تُفاقم عوامل أخرى أزمة مقاومة مضادات الميكروبات. فالنزاعات أو الكوارث الطبيعية، على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي إلى إصابات بالغة قد تصاب بالعدوى بسهولة وتجبر الناس على اللجوء إلى أماكن مكتظة يسهل فيها انتشار البكتيريا المقاومة.

أقرت الحكومات في الإعلان السياسي بأهمية التصدي لمقاومة مضادات الميكروبات في البيئات الإنسانية كالتي تعمل فيها أطباء بلا حدود، بالإضافة إلى الكثير من القضايا التي سلطت المنظمة عليها الضوء كأولويات رئيسية في الاستجابة لمقاومة مضادات الميكروبات. ولكن، كان ينبغي أن تكون الالتزامات المُتعهد بها لمعالجة هذه القضايا أجرأ وأدق ضبطًا كي تعالج أوجه عدم المساواة العالمية. توصي أطباء بلا حدود الحكومات بالبناء على هذه الالتزامات وتحسينها بالطرق التالية:

  • أن يدخل حيز التنفيذ الآن التزام الإعلان بإشراك المجتمعات المتضررة والمنظمات الإنسانية في إدارة المنصات والآليات للتصدي لمقاومة مضادات الميكروبات. يجب ضمان المشاركة الشاملة لهذه المجموعات في المبادرات العالمية لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات كي تتبلور خارطة طريق فعالة للوصول إلى البيئات الأقل تغطية من ناحية الخدمات الصحية. فعلى سبيل المثال، على اللجنة المستقلة المقترحة – في حال إنشائها – والمعنية بالأدلة للعمل على مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، أن تلتزم بمبادئ عدم التحييز والشفافية والمساءلة أمام جميع البلدان، وأن تعطي الأولوية للبحوث في المجتمعات الأكثر تضررًا من مقاومة مضادات الميكروبات، ومن أجل هذه المجتمعات. وهذا أمر مهم، لأن المجتمعات في البيئات المتأثرة بالنزاعات والبيئات الأشد حاجة والبيئات الإنسانية أكثر عرضة للإصابة بمقاومة مضادات الميكروبات، ولكن هناك نقص حاد في الأدلة اللازمة للاستجابة في هذه الأوضاع.
  • يعترف الإعلان بالحاجة إلى تعزيز قدرات المختبرات ويلتزم “بتحسين الوصول إلى التشخيص والرعاية”، ولكن يجب جعل هذا الالتزام الواسع أكثر تحديدًا ودقة في اتفاقيات المتابعة وأطر المساءلة لضمان التوافر الموسع والمنصف لمختبرات علم الأحياء المجهرية المضمونة الجودة. يعد الوصول إلى مختبرات الأحياء المجهرية أساسًا حاسمًا للوقاية من مقاومة مضادات الميكروبات والكشف عنها ومكافحتها بفعالية أكبر، لكن العديد من الأماكن التي ترتفع فيها معدلات مقاومة مضادات الميكروبات لا تتوفر فيها مختبرات ذات جودة عالية.
  • يجب على الالتزام بزيادة التمويل الدولي والمساعدة التقنية لتمكين البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من تنفيذ خطط عمل وطنية للتصدي لمقاومة مضادات الميكروبات أن يفضي إلى تمويل أقوى وأكثر طموحًا، حيث أن مبلغ المئة مليون دولار أمريكي المقترح حاليًا كي تحقق 60 في المئة من البلدان خططًا ممولة للتصدي لمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 لا يكفي لمعالجة مشكلة صحية بهذا الحجم.
  • على الالتزام بضمان الوصول المنصف وفي الوقت المناسب إلى الأدوات الطبية بأسعار معقولة، بما في ذلك مضادات الميكروبات والفحوصات التشخيصية، أن يُترجم إلى إجراءات ملموسة. ويجب على الثغرات العالمية الكبيرة في الحصول على الأدوات الطبية أن تعقَّب وأن تُقاس كميًا لتوجيه الجهود الرامية إلى تحقيق المزيد من الإنصاف في الحصول على هذه الأدوات، وأن تخصص الموارد اللازمة لاستراتيجيات الوصول الطبي وبرامج الإشراف على مضادات الميكروبات. وعلاوة على ذلك، عندما توفر الحكومات التمويل للبحث والتطوير في مجال مضادات الميكروبات الجديدة، فعليها أن تعطي الأولوية للمبادرات العامة وغير الربحية، ذلك أنها تسهل الوصول والإشراف والأساليب التعاونية في مجال البحث. كما يجب على الممولين أن يرفقوا شروطًا مسبقة تضمن الوصول العالمي المنصف إلى أي أدوات طبية ناتجة عن ذلك في الاتفاقات عند تقديم تمويل “الدفع” و”السحب” الذي دعا إليه الإعلان.
لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات بفعالية على الصعيد العالمي، يجب على الحكومات معالجة التباينات الكبيرة في كمية الأدلة المتاحة للعمل في البيئات ذات الدخل المرتفع والبيئات منخفضة الموارد. هذا يعني أن اللجنة المستقلة المعنية بالأدلة للعمل على مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، والتي اقترحها الإعلان، يجب أن يعطي الأولوية للبحوث في المجتمعات الأكثر تضررًا من مقاومة مضادات الميكروبات، والتي غالبًا ما تكون في البيئات الإنسانية أو منخفضة الموارد حيث أن الأدلة لتوجيه العمل هي الأقل هناك. لهذه اللجنة وضع ممتاز يمكنها من توجيه الاستجابة لمقاومة الأدوية في المناطق الأكثر تضررًا استنادًا إلى التدخلات الناجحة، ولكن لكي تقوم بذلك عليها أن تعمل بشفافية ومساءلة وعدم تحيز، مدعومةً بوسائل تنفيذ مالية طموحة، وبالتعاون الوثيق مع المجتمعات المحلية المتضررة.
دوشان جاسوفسكي، وهو صيدلاني مختص بمقاومة مضادات الميكروبات يعمل مع حملة أطباء بلا حدود لتوفير الأدوية الأساسية

*تحدث مقاومة مضادات الميكروبات عندما تتطور الميكروبات مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات وتبقى على قيد الحياة على الرغم من الأدوية المضادة للميكروبات، مثل المضادات الحيوية المستخدمة ضدها، ما يمكن أن يجعل الرعاية الطبية أقل فعالية وأكثر صعوبة وطولًا وتكلفة للمرضى ومقدمي العلاج.

تُعتبر أطباء بلا حدود جهة فاعلة رائدة في الوقاية من مقاومة مضادات الميكروبات والكشف عنها والاستجابة لها في البيئات الإنسانية، مع مبادرات الوقاية من العدوى والسيطرة عليها، وبرامج الإشراف في سياقات متعددة و50 موقعًا مع إمكانية الوصول المخطط لها أو القائمة إلى علم الأحياء المجهرية التشخيصية في 20 بلدًا في جميع أنحاء العالم. وقد طورت أطباء بلا حدود نهجًا متعدد التخصصات لمعالجة مقاومة مضادات الميكروبات يشمل التدريب والدعم الموجهين للوقاية من العدوى والسيطرة عليها، والإشراف على مضادات الميكروبات، وفي بعض الحالات أيضًا الجهود المبذولة لتوفير إمكانية الوصول إلى التشخيص المختبري القائم على علم الأحياء المجهرية.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print

الوضع كارثي في مخيم زمزم بالسودان: “يوشك وقتنا على النفاد”

الوضع كارثي في مخيم زمزم بالسودان: “يوشك وقتنا على النفاد”

باريس، 13 سبتمبر/أيلول – كشف مسح تغذوي أجرته السلطات السودانية ومنظمة أطباء بلا حدود داخل مخيم زمزم في شمال دارفور خلال هذا الشهر عن وضع غذائي كارثي لا ينفك يتدهور. وفي هذا السياق، تناشد أطباء بلا حدود الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية التي تساهم في التفاوض على توسيع الوصول الإنساني للنظر في جميع الخيارات التي تتيح إيصال الطعام والإمدادات الأساسية بشكل سريع إلى المنطقة، وإن كان ذلك عن طريق الإنزال الجوي.  

أكدت النتائج على كارثية الوضع الذي نشهده ونحذر منه مع الجهات الفاعلة الأخرى منذ أشهر، كما كشفت أيضًا تدهور الوضع الذي يتفاقم يومًا بعد يوم فيما يوشك وقتنا على النفاد. نتحدّث هنا عن أطفال سيلقون حتفهم بالآلاف خلال الأسابيع المقبلة إذا لم يتلقوا العلاج وإن لم تُعتَمد حلول عاجلة تتيح إيصال المساعدات الإنسانية والإمدادات الأساسية إلى زمزم.
رئيس عمليات الطوارئ في أطباء بلا حدود، ميشال أوليفييه لاشاريتيه

على الرغم من الإعلانات التي ترددت وأيقظت أملًا بوقوع تطوّرات إيجابية بعد محادثات السلام في جنيف مثلًا، لم تصل كمية تُذكر من مواد الإغاثة إلى السكان في مخيم زمزم وما حوله وإلى مدينة الفاشر المنكوبة بالحرب غير البعيدة عنه، علمًا أن لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي قد أشارت إلى أن ظروف المجاعة قد سادت في المنطقة في الأول من أغسطس/آب 2024. هذا ويشار إلى أن معظم الطرق المستَخدمة في نقل الإمدادات تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع، فبات إدخال الأغذية العلاجية والأدوية والإمدادات الأساسية إلى المخيم مهمةً مستحيلة منذ اشتداد القتال حول الفاشر في مايو/أيار الماضي.

لم يبقَ أمامنا متسع من الوقت إذا أردنا منع آلاف الوفيات التي يمكن تجنبها. فمن بين أكثر من 29 ألف طفل دون سن الخامسة شملهم المسح الأسبوع الماضي خلال حملة التطعيم في مخيم زمزم، تبينت إصابة 10.1 في المئة بسوء التغذية الحاد الشديد الذي يهدّد حياة المصابين به و34.8 في المئة بسوء التغذية الحاد الشامل  الذي يتطور إلى أشكال أكثر حدة من سوء التغذية إن لم يُعالَج بشكل فعال وفي الوقت المناسب.

كَشَف المسح عن معدلات جسيمة من سوء تغذية وهي على الأرجح الأسوأ في العالم في الوقت الحالي. أما ما يزيد الوضع فظاعةً، فهو درايتنا عن تجارب سابقة أن الطريقة التي اعتمدناها، أي قياس محيط منتصف العضد من دون قياس الوزن والطول أيضًا، لا تكشف عادةً عن العدد الكلي للحالات في المنطقة كما لو تم الجمع بين الطريقتين.
المرجع الطبي في أطباء بلا حدود، كلودين ماييه

وكان الفحص الشامل الذي أجرته أطباء بلا حدود في شهر مارس/آذار 2024 قد كشف عن إصابة 8.2 في المئة من المشاركين بسوء التغذية الحاد الشديد و29.4 في المئة بسوء التغذية الحاد الشامل، أي ضعف المعدل الذي حددته منظمة الصحة العالمية كعتبة الخطر المقدّرة بـ 15 في المئة.

في الوقت الحالي، لا يتوفر أي غذاء إلا ما تبقى من المخزون السابق، وهو لا يكفي لسكان المنطقة، مع العلم أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بمعدل ثلاثة أضعاف عما هي عليه في باقي أنحاء دارفور. هذا وقد ارتفعت أسعار الوقود أيضًا، فبات ضخ المياه وتشغيل العيادات التي تعتمد على المولدات الكهربائية صعبًا للغاية. ويشير فريقنا في الموقع إلى أنّ الكثيرين عاجزون عن الاعتماد على أكثر من وجبة واحدة في اليوم.

تضيف ماييه، “في مثل هذا الوضع الصعب، يُفترض بنا أن نكثّف استجابتنا. ولكننا نعمل بدلًا من ذلك بإمدادات توشك على النفاد، وقد وصلنا إلى نقطة انهيار أجبرتنا على تقليص أنشطتنا للتركيز على الأطفال الذين يعانون من أشد الحالات خطورة. فعلّقنا خدمات العلاج للأشكال الأقل حدة من سوء التغذية رغم أنها تلمّ بمجموعة نشطة من 2.700 طفل، كما توقّفنا عن توفير الاستشارات للبالغين والأطفال فوق سن الخامسة الذين يلتمسون في الأساس آلاف الاستشارات شهريًا”.

يقدَّر عدد السكان الذين يستضيفهم مخيم زمزم بين 300 ألف و500 ألف شخص، وقد نزح الكثير منهم عدة مرات في محاولات للفرار من الحرب التي تعصف ببلادهم منذ العام الماضي. وفي مدينة الفاشر التي كانت مستقرًا للاجئين كثر، لم يتبقَ سوى مستشفى واحد يواصل عمله بشكل جزئي عقب تضرر المستشفيات أو تدميرها بسبب النزاع.

ويوضح لاشاريتيه، “في ظل العوائق غير المقبولة التي تُفرض على وصول الإمدادات، نشعر بأننا نترك وراءنا عددًا متزايدًا من المرضى الذين لا يجدون أمامهم إلا قلة من الخيارات للحصول على الرعاية الطبية المنقذة للحياة. إن لم تعد الطرقات خيارًا ممكنًا لإيصال كميات تُذكر من الإمدادات العاجلة إلى المخيم، فعلى الأمم المتحدة أن تبحث في كل الخيارات المتاحة لأن تأخير هذه الإمدادات يؤدي إلى زيادة آلاف الوفيات التي تلمّ بالفئات الأكثر حاجة”.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print

عالقون ومنسيون: أين يمكن للروهينجا التوجه بحثاً عن الأمان؟

عالقون ومنسيون: أين يمكن للروهينجا التوجه بحثاً عن الأمان؟

مع تزايد محاصرة الروهينجا بسبب الصراع المستعر في ولاية راخين في ميانمار، يُترك أولئك الذين لا يملكون تكاليف عبور الحدود إلى بنغلاديش دون حماية أو مساعدة.

 يقول روحل، واصفاً اللحظة التي تعرضت فيها بلدته، بوثيدونغ، للهجوم مساء يوم 17 مايو/أيار: “سمعنا انفجارات وإطلاق نار وصراخ الناس. هربت أنا وعائلتي من منزلنا وسط الهرج والمرج، واتجهنا إلى التلال القريبة طلباً للأمان”.

 “انفصلت عن والديَّ وقضيت عدة أيام مختبئاً في الغابة مع أبناء عمي وشباب آخرين، في جوع وخوف. دست على لغمين ؛ في المرة الأولى لم يصبني أي أذى، لكن اللغم الثاني انفجر في قدمي”. روحل، شاب من الروهينجا، لم يتلق الرعاية الطبية لمدة تسعة أيام حتى تمكن من عبور الحدود إلى بنغلاديش والوصول إلى مستشفى أطباء بلا حدود في كوكس بازار.

 منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عانت ولاية شمال راخين في ميانمار بسبب اشتداد القتال بين القوات المسلحة الميانمارية وجيش أراكان. أدى العنف الشديد، بما في ذلك استخدام الأسلحة الثقيلة وضربات الطائرات المسيرة والحرق والتخريب المتعمد، إلى تدمير قرى بأكملها، مما أسفر عن مقتل وإصابة وتشريد المدنيين. يقوم طرفا النزاع بتجنيد المدنيين قسراً وإذكاء التوترات العرقية بين المجتمعات.

 يؤثر العنف على مختلف المجموعات العرقية التي تعيش في راخين، لكن غالباً ما يجد مجتمع الروهينجا نفسه عالقاً في خضم هذا العنف، كونه واحداً من أكثر المجموعات تعرضاً للاضطهاد تاريخياً على مدى عقود.

في 17 و 18 مايو/أيار في بوثيدونغ، أحرقت منازل المدنيين وممتلكاتهم بالكامل، وفرَّ الآلاف من الروهينجا (بما في ذلك العديد من الذين نزحوا سابقاً من مناطق أخرى) من البلدة.

 مجيب الله هو رجل آخر من الروهينجا نزح من بوثيدونغ في نفس اليوم. ويقول: “أصابت قذيفة هاون منزلنا، مما أسفر عن مقتل زوجتي وإصابة العديد من الآخرين. لقد اتخذنا القرار المفجع بالمغادرة إلى بنغلاديش. كان ترك منزلنا ومواشينا والمحاصيل وراءنا أمراً صعباً للغاية”.

 في مونغداو، على بعد 20 كم إلى الغرب من بوثيدونغ، تصاعدت الاشتباكات العنيفة بين الأطراف المتحاربة في مايو/أيار وتصاعدت مرة أخرى في أغسطس/آب. واتسمت بهجمات عنيفة على مجموعات من الروهينجا – بعضهم من الناجين من الهجمات في بوثيدونغ.

 بين 5 و 17 أغسطس/آب، عالجت فرق أطباء بلا حدود في مخيمات كوكس بازار في بنغلاديش 83 مريضاً من الروهينجا يعانون من إصابات مرتبطة بالعنف؛ 48 في المئة منهم من النساء والأطفال. وأفادوا بأنهم فروا من هجوم في مونغداو وعبروا الحدود.

 ويعاني هؤلاء المرضى الذين وصلوا إلى مرافق أطباء بلا حدود من جروح ناجمة عن طلقات نارية، أو إصابات مشوِّهة ناجمة عن الألغام، وهم في حالة حرجة بسبب نقص الأدوية اللازمة لإدارة الأمراض التي تهدد الحياة مثل فيروس نقص المناعة البشرية أو السل. ولم تعد هذه الأدوية متوفرة في راخين.

 وصف العديد من الأشخاص الرحلة عبر الحدود، والتي تشمل عبور نهر ناف، بأنها محفوفة بالمخاطر. ومع إغلاق الحدود رسمياً، يضطر الناس إلى دفع رشاوٍ ضخمة للسلطات أو الجماعات المسلحة أو المهربين للعبور.

ويقول مجيب الله: “كانت المصاعب تكتنف الرحلة في كل منعطف. واجهنا مهربين يطلبون مبالغ باهظة لركوب قارب خطير وواجهنا سلوكاً عدوانياً من حرس الحدود عند وصولنا إلى بنغلاديش. وعلى الرغم من مناشداتنا للمساعدة، بما في ذلك الاحتياجات الطبية العاجلة لأحفادي، فقد تمت إعادتنا إلى ميانمار”.

 في شمال راخين، يكاد يكون الوصول إلى الرعاية الصحية معدوماً. المرافق الصحية غير عاملة، بعد أن تضررت بسبب القتال، أو جُرِّدت من الموظفين الطبيين الذين فروا من العنف، أو تركوا بدون إمدادات بسبب ديناميكيات النزاع وعدم القدرة على الحصول على إذن لنقل الإمدادات حسب الحاجة.

وفي يونيو/حزيران، اضطرت أطباء بلا حدود إلى تعليق أنشطتنا الإنسانية الطبية إلى أجل غير مسمى في بلدات بوثيدونغ ومونغداو وراثيدونغ، بعد إحراق مكتبنا ومخزننا الطبي. قبل هذا التعليق، شهدت أطباء بلا حدود هجمات في مناطق مدنية مكتظة بالسكان مثل الأسواق والقرى وكذلك هجمات على مرافق الرعاية الصحية هددت حياة المرضى وعمال الرعاية الصحية.

 الجهود التي تبذلها الأطراف المتحاربة لحماية المدنيين والوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي لا تكاد تذكر، إن وجدت.

 إن حصيلة هذا التجاهل للحياة البشرية ضخمة. استقبلت فرق أطباء بلا حدود في بنغلاديش 115 من جرحى الحرب من الروهينجا في مرافق أطباء بلا حدود منذ يوليو/تموز 2024 بما في ذلك رجال ونساء وأطفال أصيبوا بجروح من العنف الشديد. وفي حين تمكن الروهينجا الذين وصلوا حديثاً إلى كوكس بازار من الفرار من منطقة النزاع والحصول على مستوى معين من الرعاية الطبية، فإنهم يضطرون إلى الاختباء باستمرار خوفاً من الترحيل إلى ميانمار بينما يواجهون كذلك وضعاً محفوفاً بالمخاطر بشكل متزايد في المخيمات حيث يعيش 1.2 مليون شخص خلف أسوار الأسلاك الشائكة. وبصرف النظر عن تصاعد العنف والاختطاف في المخيمات، بما في ذلك التجنيد القسري للجماعات المسلحة في ميانمار، يعيش العديد من الناس في خوف وقلق بشأن ما عانوه، ومصير أسرهم في بنغلاديش وميانمار.

بعد وصوله أخيراً إلى بنغلاديش، لم يجد مجيب الله بعد راحة من الصعاب. “نكافح أنا وعائلتي من أجل التأقلم مع فقدان الأحبة وعدم اليقين بشأن مستقبلنا”.

  وفقاً لأرقام الأمم المتحدة، نزح ما يقرب من 327,000 شخص في ولاية راخين وبلدة باليتوا في ولاية تشين منذ عودة النزاع في ميانمار في نوفمبر/تشرين الثاني 2023. بالإضافة إلى النازحين من قبل، يصل العدد الإجمالي للنازحين في ولاية راخين وبلدة باليتوا في ولاية تشين إلى أكثر من 534,000 شخص. وتدعو منظمة أطباء بلا حدود أطراف هذا النزاع إلى الامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي ومبادئ التمييز والتناسب والاحتياط. ويشمل ذلك حماية المدنيين من الهجمات المباشرة وآثار الهجمات، وكذلك حظر الهجمات العشوائية. كما نطلب من السلطات وجميع الجهات الفاعلة على جانبي الحدود إعطاء الأولوية بشكل عاجل لزيادة المساعدات الإنسانية والطبية المحايدة للمحتاجين.

 

 * تم التحفظ على الأسماء.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print

في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية: جدري القرود تحدٍ آخر وسط سيل من المشاكل الحيوية

في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية: جدري القرود تحدٍ آخر وسط سيل من المشاكل الحيوية

في يوم الأربعاء 15 أغسطس/آب، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن ارتفاع حالات جدري القرود هي حالة طوارئ صحية عامة مثيرة للقلق الدولي (PHEIC) بسبب تزايد الإصابات في العديد من البلدان، لا سيما في قارة إفريقيا. وشددت منظمة الصحة العالمية على الحاجة الملحة إلى تعزيز الرصد والتطعيم وتدابير الصحة العامة للسيطرة على تفشي المرض.

في جمهورية الكونغو الديمقراطية، يتوطن جدري القرود في العديد من الأقاليم. وفي العام الماضي، زادت الحالات المبلغ عنها بشكل كبير، وقد تجاوز عدد الحالات المبلغ عنها حتى الآن هذا العام إجمالي العام الماضي، حيث أُبلغ عن أكثر من 20,000 حالة مشتبه فيها ومؤكدة، وأكثر من 630 حالة وفاة، من يناير/كانون الثاني إلى 2 سبتمبر/أيلول 2024.

أقامت منظمة أطباء بلا حدود عمليات لمعالجة تفشي جدري القرود في 4 أقاليم في جمهورية الكونغو الديمقراطية (شمال وجنوب كيفو وجنوب أوبانغي وإكواتور) وكذلك في بوروندي المجاورة للوقاية من المرض وعلاجه وزيادة الوعي ومكافحة العدوى.

عادت الدكتورة تجشري شاه، المديرة العامة لمنظمة أطباء بلا حدود وطبيبة الأطفال المتخصصة في الأمراض المعدية، مؤخراً من شمال كيفو، وهو إقليم في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، البلد الذي يعد مركزاً لتفشي جدري القرود الحالي في إفريقيا. وتؤكد في هذه المقالة القصيرة أن احتواء الفيروس في المواقع الشرقية للنازحين سيكون مستحيلاً ما لم تُبذل جهود للاستماع إلى احتياجات الناس وتحسين الظروف المعيشية المروعة التي يعانون منها منذ مدة طويلة.

في غوما، بدا أن العديد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم كانوا يشعرون بأن أمراً ما جديداً وغير مؤكد ومخيف قادم. لكن لا أحد يستطيع حتى الآن التنبؤ بما سيعنيه ذلك بالنسبة لهم أو مدى عمق تأثيره على حياتهم.

جدري القرود ليس جديداً في جمهورية الكونغو الديمقراطية. هذا المرض متوطن في عدة أجزاء من البلاد، وكانت البلاغات بوقوع حالات إصابة في ارتفاع على مدى العقد الماضي. ومع ذلك، في شمال كيفو وجنوب كيفو، تحور الفيروس إلى شكل يبدو أكثر قابلية للانتقال بين البشر، وهو ما يمثل مصدر قلق كبير حيث تم الإبلاغ عن حالات في المناطق المكتظة بالسكان مثل غوما – وهي مدينة يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة – وفي المواقع التي لجأ إليها مئات الآلاف بسبب الأزمة المسلحة المستمرة في شمال كيفو.

وبينما يبقى فتك هذه السلالة الجديدة محدوداً، لا يزال هناك سبب للقلق. لماذا؟ لأن الظروف اللازمة لمنع انتشاره في غوما وحولها ليست موجودة ببساطة، والقدرة على توفير الرعاية للمرضى المعرضين لخطر المضاعفات – الأطفال الصغار والأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية المتقدم – لا تزال محدودة.

كيف يمكننا أن نتوقع من أسر تعيش في ملاجئ صغيرة، دون مياه كافية، أو مرافق صرف صحي، أو حتى صابون، تنفيذ تدابير وقائية؟ كيف يمكن لأطفال يعانون من سوء التغذية أن يكون لديهم القوة لدرء المضاعفات؟ وكيف يمكننا أن نتوقع عدم انتشار هذا المتحور– الذي ينتقل بشكل خاص من خلال الاتصال الجنسي – في مواقع النزوح نظراً للمستويات الهائلة من العنف والاستغلال الجنسيين اللذين يؤثران على الفتيات والنساء اللواتي يعشن هناك؟

نددت منظمة أطباء بلا حدود مراراً وتكراراً بالظروف المعيشية اللاإنسانية التي يواجهها الناس في المخيمات، والثغرات الواضحة في الاستجابة الإنسانية. بعد مرور أكثر من عامين على بدء ما يسمى “أزمة M -23” والنزوح الجماعي الذي تسببت فيه، لا تزال العائلات التي تعيش في المخيمات المكتظة تفتقر إلى الضروريات: الغذاء والماء والسلامة ومستلزمات النظافة الأساسية، فضلاً عن توفر الصرف الصحي والرعاية الصحية.

خلال جلسة استشارية حضرتُها مع الناجيات من الاغتصاب، أخبرتني امرأة أنها تعيش مع أطفالها السبعة تحت سقف بلاستيكي. تركها زوجها بعد أن تعرضت للاغتصاب. بالنسبة للنساء مثلها، فإن الإجراءات والحلول المجرَّبة لمنع انتشار الوباء صعبة التطبيق للغاية. إذا أصيبت بطفح جلدي بسبب جدري القرود، فسيُطلب منها تغيير الأغطية والبياضات، وغسل كل شيء جيداً، وتعقيم متعلقاتها، وعزل نفسها حتى تشفى. ولكن كيف يمكنها أن تغسل بدون صابون وليس لديها سوى بضعة لترات فقط من المياه كل يوم؟ كيف يمكنها عزل نفسها وحماية أطفالها بينما يعيشون معاً تحت مأوى صغير بسقف بلاستيكي؟ إذا عزلت نفسها، فمن سيؤمّن الطعام للأطفال؟ من سيجمع الحطب؟ من سيعتني بالمولود الجديد؟

بالنسبة لها ولجميع أولئك الذين لجأوا إلى مخيمات النازحين، يبدو تفشي جدري القرود وكأنه مجرد تحد آخر وسط سيل من المشاكل. وبصراحة، لا يُعدُّ المشكلة الأكثر إلحاحاً نظراً للمصاعب اليومية التي يواجهونها، بما في ذلك تفشي الأمراض الأخرى التي تهدد الحياة مثل الحصبة أو الكوليرا.

ومع ذلك، فإن جدري القرود موجود وتجب معالجته. ولمواجهة هذا التحدي الإضافي الجديد، نحتاج إلى جعل أساسيات حياة الناس أسهل من خلال استجابة مصممة خصيصاً لاحتياجاتهم المحددة وتحديات الحياة الفعلية. ويبدأ ذلك بالاستماع إلى الناس وفهم احتياجاتهم وتزويدهم بالمستلزمات الأساسية لمكافحة العدوى: وهي الماء والصابون والمطهرات ومرافق الصرف والنظافة الصحية. وهي أمور بسيطة، ولكنها ضرورية. لا يمكننا الاعتماد فقط على وصول اللقاحات لحل المشكلة. كما يعد تحسين الظروف المعيشية للناس عاملاً حاسماً في مكافحة مثل هذه التفشيات.

جنباً إلى جنب مع السلطات الصحية، تبذل فرقنا قصارى جهدها لتوفير الرعاية ورفع مستوى الوعي لأولئك الذين يعيشون في المواقع، كما نفعل في أجزاء أخرى من البلاد المتضررة من تفشي المرض. وكحال الكثيرين، نأمل أن تصل اللقاحات التي طال انتظارها إلى البلاد في أقرب وقت ممكن. ومع ذلك، فإنها لن تكون عصاً سحرية: يجب على الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية أيضاً أن تعالج بشكل عاجل أسس استجابة الجدري، والتي يجب تكييفها مع احتياجات وواقع الناس.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print